إسهام المرأة الأندلسية في علم الطب

د. سهى بعيون

1 / 4/ 2019

 نال الأندلسيون تقدماً ملحوظاً في علم في الطب، وأسدوا للإنسانية كثيراً من الجهود الموفقة والإنجازات العلمية القيّمة التي دفعت الطب نحو الأمام. ولا شك أنّ هذا العلم يأتي عند الأندلسيين في مقدمة العلوم التطبيقية من حيث الاهتمام والعناية، ووفرة الإنتاج العلمي. وعن الأندلس انتقل هذا العلم حيث ترجمت أكثر هذه الكتب إلى اللاتينية.

وكان لعلم الطب منزلته السامية في المجتمع الأندلسي فنجد صدى ذلك في شعر السميسر خلف بن فرج الذي قال:

كل علم ما خلا الشرع     وعلم الطب باطل

غير أنّ الأول الطب         على رأي الأوائل

هل تمام الشرع إلاّ          أن يكون الجسم عامل

فإذا كان عليلاً               بطلت تلك العوامل

وكانت مهنة الطب تمارس إلى جانب القضايا الأخرى أحياناً. لذا نجد أسماء اشتهرت في الفلسفة والأدب لكنهم كانوا يحسبون أطباء أيضاً.

وازدادت العناية بدراسة الطب والصيدلة في عصر ملوك الطوائف والعصور التي تلاه. ولم يقتصر النبوغ في الطب على الرجال فقط، فلقد نبغ من النساء عدد غير قليل. وكانت للنساء الأندلسيات مشاركة في هذا العلم، حتى إنّ نساء الملوك كنّ في غنى عن الأطباء بالطبيبات. فكان بعض النساء يتخصصن أحياناً، في أمراض النساء؛ وكانت الطبيبة تدعى في حالات الولادة الصعبة؛ وتأخذ أجراً عالياً لقاء خدمات‍ها.

فمن هؤلاء الطبيبات الشهيرات نذكر:

أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنجالي

وأم الحسن وبعض المؤرخين يلفظها أم الحُسْن ترعرعت في مدينة بالأندلس تُدعى لَوْشَة. شاعرة أديبة نشأت في حجر أبيها ودرسها الطب ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأغراضه، فكانت تشارك في هذا العلم.

كان صوت أم الحسن رخيماً فتقرأ القرآن الكريم بصوت حسن وتجوده.

وكانت شاعرة وأديبة مرموقة يتوجه إليها ذو الشهرة والمعرفة لمطالعة أخبارها، وكانوا يعجبون بأدبِها ونظمها ولسانِها.

وقال لسان الدين ابن الخطيب عنها: «ثالثة حمدة وولادة، وفاضلة الأدب والمجادة، تقلدت المحاسن من قبل ولادة، وولدت أبكار الأفكار قبل سن الولادة».

وترجم ابن الخطيب لعبد الله بن يوسف بن رضوان النّجاري المالقي، وقال إنّه روى عن الخطيب المحدّث أبي جعفر بن يوسف الهاشمي الطّنْجالي. ومعنى ذلك أن ابنة هذا الأخير، أم الحسن الطنجالي، كانت في عصر بني الأحمر، وبالتحديد في زمان ابن الخطيب بغرناطة.

 طبيبات بني زهر

زهر أسرة أندلسية، شريفة عريقة ذات مجد وشهرة عظيمة في العلوم الطبية، وبنوها متبحرون بشتى العلوم كالفقه والأدب واللغة والحديث وخصوصاً العلوم الطبية سواء كانوا نساء أم رجالاً.  وأنجبت هذه العائلة عدداً كبيراً من الأطباء المشهورين خلال ستة أجيال متعاقبة.

توطدت هذه الأسرة العريقة بالطب في مدينة إشبيلية في الأندلس واشتهر رجالها ونساؤها بصناعة الطب في الفترة الواقعة بين القرن الحادي عشر والثالث عشر الميلادي.

ومن طبيباتِها النساء النابغات الشهيرات التي ظهرن في الأندلس بعد عصر ملوك الطوائف شقيقة الحفيد أبي بكر بن زهر، الطبيب الشهير الملقب بالحفيد وهو أبو بكر محمد بن أبي مروان بن أبي العلاء بن زهر. وكذلك ابنة شقيقته تلك، وكانتا عالمتين بصناعة الطب والمداواة، ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء والولادة. وكانتا تدخلان إلى نساء المنصور أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، ولا يُقْبَلُ لمداواة أهل المنصور سواهما.  ونالت أخت الحفيد وابنتها سمعة مرموقة في علاجهما للمرضى وخاصة النساء.

لقد أسهمت المرأة الأندلسية مساهمة عميقة في مجالات عدّة؛ في الأدب والعلم، وأحاطت بجميع فروع المعرفة، حيث تضافرت جميع عناصر التشجيع والتقدير لتحفيزها على هذا العطاء.