إسهام المرأة الأندلسية في الحركة الأدبية

د. سهى بعيون

1/4/2016

عندما بلغت الحضارة العربية ذروت‍ها في الأندلس كان لا بد للمرأة من أن ترتقي فكرياً وفنياً، فلم تتخلف المرأة الأندلسية عن المشاركة في النهضة الثقافية. وإنّ مساهمة المرأة في الثقافة كانت تبرز في مجالات أكثرها الأدب من شعر وإنشاء، ومناظرات، ولعل ذلك يعود إلى أجواء الأندلس التي توحي بالشعر وتثير الخيال. لقد أقبلت المرأة على الشعر والنثر أكثر من سواهما؛ لأنّهما يترجمان الشعور، ويعبران عن مكنونات ما في الصدور. والشعر كان محبباً إليهنّ بالفطرة، شأن شاعرات المشرق، ولعل طبيعة الأندلس وما فيها من جمال سرعان ما أثار استعدادها الوراثي؛ فأقبلَت على النظم والإنشاد وعقد المجالس الأدبية. وهكذا ساهمت المرأة الأندلسية في بناء صرح الأدب، فانطلقت إلى نظم الشعر. ولقد ازدادت البيئة الأندلسية بعدد غير قليل من النساء الشاعرات اللاتي أسهمن في إثراء الأدب الأندلسي بألوان طريفة من موضوعات الشعر ومقطوعات رخية جذابة من فن القصيد، فكان إثراؤهن للشعر أمرً بيّناً في مجتمع كاد كله أن يقول شعراً. ولقد عالجت المرأة معظم الأغراض الشعرية، كالمدح، والهجاء، والغزل، ووصف الطبيعة.

وإنّ عدد الشاعرات في الأندلس قد بلغ على امتداد ثمانية قرون ستين ألفاً. وإنّ من يرجع إلى ما روي في نفح الطيب عن حرائر الأندلس يحس أنّ المرأة الأندلسية لعبت في الأدب الأندلسي دوراً يشبه من بعض الوجوه دور المرأة في الأدب الفرنسي في أثناء القرنين السابع عشر والثامن عشر.

وإنّ شاعرات الأندلس أفسحْن لشعرهنّ مكاناً رحباً، في عالم الشعر، وفرضن وجودهنّ فرضاً بطريقة لم تحدث للقلّة من زميلات‍هنّ في المشرق.

وكانت لُبْنى (توفيت سنة 374 ه‍/ 984م) كاتبة الخليفة الحَكَم المستنصر بالله الأموي، كانت شاعرة، عالمة بالعربية والأدب، حاسبة، مشاركة في العلوم، وكانت عروضية حسنة الخط جداً. أصلها من الجواري، ولم يكن في قصر الخلافة يومئذ أنبل منها، وكان الخليفة المستنصر يقدرها حق التقدير، وكان يعتمد عليها الخليفة في كتابة رسائله الخاصة. كانت ملكة الشعر سليقة تساوى فيها الطرفان؛ الحرة والجارية؛ فقد كانت الجارية «اعتماد» المشهورة بالرُّمَيْكِيَّة والتي أصبحت زوجة المعتمد بن عباد، صاحب إشبيلية، شاعرة ترتجل الشعر ارتجالاً. وكانت اعتماد الرميكية تشارك زوجها المعتمد بن عباد هوى الشعر ونظمه، وكانت تعيش في ذلك الأفق الأدبي الرفيع الذي كان يسيطر على بلاد إشبيلية، وتشترك في كثير من الأحيان في مجالس الشعر والأدب، التي كان يعقدها المعتمد.

وقد نشطت المجالس الأدبية في القرن الخامس الهجري فكانت النساء المثقفات يُقِمْن المنتديات الأدبية في منازلهنّ، ولم تكن تلك المجالس تخلو من عامل المنافسة بين المتبارين، رجالاً ونساء؛ لأنّ كل أديب أو شاعر كان يحاول أن يعرض مقدرته الأدبية واللغوية ومخزونه الفكري ليسمو على خصمه وينال ثناء الآخرين واحترامهم وتقديرهم.

وأبرز تلك المنتديات الندوة الأدبية التي أحْيَتْها ولادة بنت المستكفي في قصرها، وكانت سبب شهرت‍ها؛ وكان يرتادها كبار الشعراء. وحذت شاعرات أخريات حذو ولادة؛ فعقدْن المنتديات الأدبية في منازلهنّ، ولكنها لم تكن بمستوى ندوت‍ها. ومن هذه الندوات الندوة العلمية التي كانت تقيمها حمدة بنت زياد بن بقي العوفي في منزلها؛ فقد كانت تقيمها من أجل التدريس، وليس من أجل المبارز الشعرية. فكانت تلك المجالس الأدبية أصدق مرآة يستجلي فيها القارئ صورة عصر من العصور؛ لأنّ فيها يطّلع على عادات القوم وأخلاقهم وتقاليدهم، ومن خلالها يلمح وجهة تفكيرهم. فكان للمرأة الأندلسية دور مهم في الحياة ولا سيما في الأدب. وكان طرْقُ المرأة الأندلسية باب الأدب محاولة أخرى من محاولات تثبيت الوجود أمام الرجل وأمام المجتمع.