المرأة الأندلسية

د. سهى بعيون

1 / 2/ 2018

إنّ أحسن وضع للمرأة عند العرب في العصور الوسطى كانت تحظى به المرأة العربية في الأندلس، حيث تمتعت المرأة بمكانة عالية في المجتمع. فكانت انطلاقتها في المجتمع الأندلسي أوسع مما كانت عليه في البلدان العربية والإسلامية الأخرى. وإننا نلاحظ من خلال المصادر الأدبية والتاريخية المتعلقة بالأندلس أنّ المرأة في الأندلس احتلت مكانة عظيمة في المجتمع. ولقد قدّر الرجل الأندلسي المرأة الأندلسية، وبالغ في تبجيلها. ومن القصائد والمقطوعات التي قالها الأندلسيون في المرأة تظهر هذه المكانة العظيمة في قلوبِهم. 

 

احتلت المرأة الأندلسية مكانة عظيمة في المجتمع، وكانت تتمتع بالقوة والنفوذ، فقد ساهمت في السلطة إلى جانب زوجها. ففي تاريخ الأندلس جوانب كثيرة أتاحت الفرص لبروز اقتدار النساء ونفوذهنّ، ويعود ذلك إلى اتّصافهنّ بالحكمة، وبعلو مكانتهنّ، هذه المكانة لا تستمدّ قوت‍ها من مقامهنّ السياسي فحسب، بل تستمدّها من اقتدار هؤلاء النسوة، وما أفسح لهنّ من مجالات الظهور.

 

ويحدثنا التاريخ عن تدخل بعض هؤلاء النسوة في شئون الدولة. وكان نفوذ نساء القصر في عهد الحكم المستنصر (360ه‍/ 970م) على رجال الحكومة كبيراً، وكانت صبح أم الخليفة هشام (406ه‍/ 1015م) من دهاة النساء وأعظمهن سلطاناً ونفوذاً. إنّ المرأة، حرّة كانت أو جارية، قد جارت الرجل في حسن تدبير الأمور.

 

وكانت اعتماد الرُّمَيْكِيَّة ذات الشأن العظيم في تاريخ المعتمد، فقد ملكها المعتمد، وتملّكت زمام هواه. واتخذ المعتمد من اسم اعتماد الرُّمَيْكِيَّة لقباً رسمياً لنفسه في تاريخ دولة بني عبّاد، وأنجبت للمعتمد أولاداً شاركوا أباهم في امتلاك الأندلس فسميت أم الملوك.

 

وإنّ أكثر ما يلفت نظرنا في الحضارة الإسلامية في الأندلس، ما تميّزت به المرأة من ثقافة عظيمة. كانت ثقافة المرأة في الأندلس عميقة ومتنوّعة، وهذا الوصف حقيقة لا مبالغة فيها، فقد تصدّت المرأة لموضوعات ثقافية متعدّدة فبرّزت في جميعها، ودلّت على أنّها على مقدرة ممتازة وكفاءة طيّبة.

 

خرجت نساء الأندلس بنشاطهنّ إلى الحياة العامة، سواء في ذلك سيدات المجتمع الراقي أو بنات الطبقة الفقيرة والجاريات، فكان منهن الشاعرات والباحثات في العلوم وتلقين العلم تماماً كالرجال، وسجّل تاريخ الأندلس صفحات من المجد للنساء، وإن كان نصيب المرأة في الطبقة الأرستقراطية من التعليم كان أكثر من غيرها.

 

وإنّ النّهضة الثقافية التي شهدت‍ها الأندلس في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، كان للمرأة مشاركة فيها، إذ كانت أكثر قدرة على التحرك من قرينتها في المشرق، فلم تكن المرأة الأندلسية بمنأى عن ساحة النشاط العلمي في المجتمع الأندلسي، فلقد نالت المرأة الأندلسية نصيباً طيباً من التعليم، والأندلسيون لم يفرّقوا في التعليم بين الرجل والمرأة أو الصبي والصبية، بل رأوا من حسن التربية أن تفقه المرأة دينها وتأخذ بشيء من الأدب. فتعلمت وتفقهت في الدين، وروت الأحاديث، وزاحمت الرجل على طلب الشريعة والفقه والحديث وحفظ القرآن وتفسيره، وأحاطت بجميع فروع المعرفة، فنجد المحدثات والفقيهات والأديبات والشاعرات والطبيبات والمعلمات والنسّاخات.

 

أمّا العالمات في الشؤون الدينية والحافظات للقرآن، فلا يحصى عددهنّ. وقيل إنّه كان في الأندلس ستون ألف حافظة للقرآن، كانت كل واحدة منهنّ ترفع قنديلاً فوق باب بيتها في الليل إشارة إلى أنّ هناك حافظة للقرآن تمييزاً لها عن غيرها.

 

وقد شاركت النساء الرجال في عصر ملوك الطوائف في مجال التربية والتعليم. وكانت بعض النساء تقوم على تعليم بنات جنسها، فقد كان لحزم المعلم من أهل قرطبة ابنة تقوم بالتدريس والتعليم، ومن الطبيعي أنّ من تعلّم هن النساء، وكان أبوها وأخوها يعلمان التلاميذ، وكان بيتهم أشبه بالمدرسة. ويظهر أنّه كان واسعاً بحيث يستوعب ثلاث مجموعات، مجموعتين من التلاميذ، ومجموعة من الفتيات.

وكان من عادة ملوك الأندلس أن يعهدوا ببناتِهنّ ونسائهنّ لمعلمات يتعهدنّهنّ بالتعليم والتهذيب وقراءة الشعر وحفظه، فاعتنى المعتصم بتأديب ابنته أم الكرام  لما رآه فيها من ذكاء حتى نظمت الشعر الجميل وأسهمت في إنشاء الموشحات.

فلقد تلقت المرأة الأندلسية نصيباً وافراً من العلم والمعرفة، فكانت لها مشاركة في مختلف العلوم والفنون، وفي الأحداث الثقافية والفكرية. فإنّ إتاحة الفرصة أمام المرأة الأندلسية في ميداني العلم والثقافة قد صقل شخصيتها، ووسّع آفاق تفكيرها، وجعلها تحتلّ مكانة مرموقة في مجتمعها.