صبح أم الخليفة هشام

د. سهى بعيون

1 /3/ 2016

هي صبيحة ملكة قرطبة زوجة الخليفة الحكم وأم الخليفة هشام، وتصفها التواريخ الإفرنجية ب‍»السلطانة صبح». من ربات النفوذ والسلطان والإدارة والسياسة. لسنا نعرف الكثير عن نشأتِها وحياتِها الأولى. وكل ما تقدمه إلينا الرواية الإسلامية في ذلك، هو أنّ «صبحاً» كانت جارية بشكنسية أي نافارية. وصبح أو صبيحة ترجمة لكلمة Aurora الفرنجية، ومعناها الفجر أو الصباح الباكر، وهو الاسم النصراني الذي كانت تحمله صبح فيما يظهر. وظهرت صبح في بلاط قرطبة في أوائل عهد الحكم المستنصر، وكانت فتاة رائعة الحسن والخلال، فشغف بِها الحكم وأغدق عليها حبه وعطفه، وسماها ب‍«جعفر» ولم تلبث أن استأثرت لديه بكل نفوذ ورأي. وكانت صبح أم الخليفة هشام (406ه‍/ 1015م) من دهاة النساء وأعظمهن سلطاناً ونفوذاً.

أخذت صبح تشارك زوجها الحكم في إدارة الحكومة، ولم يمضِ على ذلك زمن طويل حتى كانت تشغل مركزاً سامياً في ميدان السياسة والإدارة، وتمكّنت من إظهار ذكائها الفطري، وقدرت‍ها على ممارسة الأحكام بشكل أدهش رجال الدولة. وكان الخليفة الحكم من أولئك الذين يقدّرون الأشياء قدرها، ويقيمون للأمور أوزان‍ها، ففطن إلى مزايا زوجته في مسائل الحكم والإدارة فأشركها في الحكم علناً ووسّع المجال لدائرة نفوذها وتأثيرها.

واستمرت صبح أيام الحكم، تتمتع في البلاط والحكومة، بنفوذ لا حد له، وكان الحكم يثق بإخلاصها وحزمها، ويستمع لرأيها في معظم الشؤون. ثم ازداد هذا النفوذ توطداً وتمكناً، حينما رزق منها الحكم بولده عبد الرحمن ثم بولده هشام. وكانت كلمتها هي العليا، في تعيين الوزراء ورجال البطانة.

كانت صبح في أول أمرها صاحبة السلطان المطلق على عقل الخليفة وقلبه، ثم أصبحت بعد ذلك بفطنتها وذكائها تملك روحه، وما زالت تتدرج في مراتب الكمال حتى صارت الملكة النافذة الكلمة في كل بلاد الأندلس.

وبعد وفاة الحكم المستنصر اتسع نطاق عمل صبح؛ فراحت تؤدي دورها العملي بكل جديّة، تنظر في قرارات المجلس الأعلى، وتبحث عن الوسائل المؤدية لاستتاب الأمن في ربوع الأندلس، وقد عملت على تخفيض الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الشعب، فلاقى عملها تأييداً كبيراً لدى العامة، وقبولاً لدى الخاصة؛ لأنّ رجال الدولة لم يقع اختيارهم عليها كوصيّة عبثاً بل عن إقناع؛ فهي مشهورة بذكائها، معروفة بحسن درايتها في سياسة البلاد.

كانت صبح تدير شؤون بلادها مستعينة بعثمان بن جعفر المصحفي. وكان كاتبها الخاص محمد بن أبي عامر يحرر أوامرها ويقوم بتبليغها إلى مختلف الجهات. ثم عينته مديراً عاماً على الأملاك والضياع حوالي سنة 356ه‍. غير أنّ العلاقة ما لبثت أن ساءت بينه وبين صبح؛ لما رأته من نفوذه وسيطرته على البلاد، فثابت إلى رشدها، وأخذت تقاومه بكل ما أوتيت من قوة. ولا نعرف تاريخ وفات‍ها بالتحقيق، ولا نعرف إن كانت وفات‍ها قبل وفاة المنصور أو بعدها؛ وكل ما تقوله الرواية الإسلامية في ذلك، هو أنّ وفات‍ها كانت أيام ولدها هشام. والظاهر أنّها توفيت بعد ذلك بقليل قبل وفاة المنصور، حوالي 390ه‍/ 1000م، لأننا لا نعثر باسمها بعد ذلك في حوادث الأندلس. كانت تلك المرأة، التي لبثت ردحاً طويلاً من الزمن، تسيطر بسحرها ونفوذها، على خلافة قرطبة، وتشترك في تدبير شؤون‍ها، في السلام والحرب، مع أعظم رجالات الأندلس.