بثينة بنت المعتمد بن عباد

د. سهى بعيون
1 / 6/ 2018
 
إنّها الأميرة بثينة بنت المعتمد، من شاعرات إشبيلية في القرن الخامس المتّسمات بالرزانة والخلق الجميل، التي شهدت مباهج ملك أبيها المعتمد بن عباد كبير ملوك الطوائف وكبير الشعراء الملوك وبطل الأبطال في معركة الزلاقة، والأسير بأغمات كما يؤسر علوج الروم، إنّ المعتمد يشكل صفحات من المجد والترف والبطولة والإباء والشعر. ولقد ورثت بثينة روحه الشاعرة فهو شاعر الملوك وملوك الشعراء، فكانت بثينة شاعرة من شاعرات الأندلس، كانت ذات جمال بارع وحسن باهر، حاضرة الجواب سريعة الخاطر حلوة النادرة. وكانت كأمّها «في الجمال، والنادرة ونظم الشعر».
 
لبثينة شعراً كثيراً كان مشهوراً بالمغرب ولم يبق منه إلاّ هذه القصيدة الرقيقة التي بين أيدينا، وتحفظ لها كتب الأدب هذه الرسالة الشعرية التي بعثت بِها إلى أبيها في «أغمات»، تستأذنه أن يبارك زواجها من فتى وقعت في أسره، وحافظ على حريتها.
 
إنّه لما حلت النكبة بالمعتمد وأسر وحمل وزوجته إلى أغمات في المغرب، وتعرض قصره للنهب والسلب كانت بثينة في جملة من سبي من نساء القصر وصباياه، فاشتراها أحد تجار إشبيلية وهو لا يعلم من أمرها شيئاً ظانّاً أنّها واحدة من الجواري وأهداها لابنه، فلما أراد الابن الدخول بِها امتنعت امتناع الحرائر وأظهرت له نسبها، وقالت: لا أحل لك إلاّ بعقد الزواج إن رضي أبي بذلك، وأشارت عليه وعلى أبيه بتوجيه كتاب منها إلى أبيها وانتظار جوابه. فكتبت خطاباً فريداً في بابه بين الخطابات التي كتبت في التاريخ، لقد ضمنت خطاب‍ها قصتها كاملة ، فقالت في أول القصيدة:
اسمعْ كلامي واستمعْ لمقالَتي               فهي السُّلوكُ بَدَتْ من الأجْيادِ
لا تُنْكِروا أنّي سُبِيتُ وأنَّنِي                بِنْتٌ لِمَلْكٍ من بَني عبّاد
ملكٍ عظيمٍ قد تَوَلّى عَصْره              وكذا الزمانُ يؤولُ للإفْساد
لَمّا أرادَ اللهُ فُرْقَةَ شَمْلِنا                   وأذاقَنا طَعْمَ الأسى مِنْ زادِ
قام النِّفاقُ على أبي في مُلْكِهِ             فدنا الفِراق ولَمْ يَكُنْ بِمُرادِ
 
إنّ الأميرة الصغيرة الغريرة كانت من الفطنة بحيث أقنعت الفتى وأباه بالانتظار، وكانت من الاعتراف بالجميل بحيث حسّنت لأبيها الموافقة على الزواج، وكانت من الكبرياء بحيث لم تنسَ أنّها أميرة وابنة ملك، وكانت من الشاعرية والصفاء بحيث دبجت ببراعتها قصة واقعية من أكثر القصص في التاريخ أسى وأخذاً بمجامع الأحاسيس والخواطر، فكانت من الواقعية بحيث ارتضت حكم القدر في مصيرها، فكانت هذه القصة الشاعرة في إطارها المؤثر العميق وأسلوب‍ها المهذب الرقيق.
 
فلمّا وصل شعرها لأبيها وهو بأغمات، سُرَّ هو وأمّها بحياتِها، ووافق على زواجها، وكتب لها موافقة استهلها بما يستهل به الأب العاقل نصائحه لابنته الأميرة الأثيرة المقبلة على الزواج:
بُنَيَّتِي كوني به بَرَّةً        فقدْ قَضَى الوقتُ بإسعافه
 
هؤلاء الأديبات، من أهل الخاصة والعامة، برهن على ما أدركته المرأة في تلك الربوع الأندلسية من الاستقلال والاعتماد على النفس، ومزاحمة الأدباء في مختلف المجالات.