نشأة الخط الأندلسي وانتشاره

 

د. سهى بعيون

1 / 7/ 2018


1-             دخول الخط العربي إلى الأندلس

حمل الفاتحون المسلمون دينهم وشرائعهم إلى سكان المغرب. وكانوا في رحلتهم الظافرة هذه، يحملون كتاب الله في صدورهم، وقد أدخل الفاتحون المسلمون الخطّين اللذين كانا شائعين آنئذ؛ وهما الخط الحجازي أو المكي اللين، والخط الكوفي اليابس. وفي المصاحف المعتمدة اعتماداً كلياً على الخط الحجازي. وقد استقر المسلمون في القيروان من الشمال الإفريقي سنة 50 ﮪ (670 م)، وفي هذه العاصمة الإسلامية الجديدة انتشر القرآن وخطّه بين أهل المغرب، ومنه انتقل إلى الأندلس بعد فتحها. ثم بدأت معالم استقلال المغاربة بخطهم تظهر.  وأخذ الخط العربي في المغرب يتطوّر ذاتياً من داخله، ومن أبناء المغرب نفسه، بعيداً عن الحركة الفنية في المشرق.

وأصبح الخط بعد ذلك يسمى في تلك الربوع بالخط القيرواني، نسبة إلى محطته الأولى في المغرب العربي، وإلى ما حدث له من تطوير ذاتي في تلك المدينة. وكان الخط القيرواني هذا شبيهاً بأصوله الأولى، حيث يحمل سمات الخطوط العربية الأولى التي انتشرت بعد ذلك من خط الجليل الشامي. إذ كان شكله ذا خطوط مستقيمة وزوايا حادّة.

كانت القيروان المحطة الأولى التي انطلق منها الحرف العربي إلى بقية أقطار الشمال الإفريقي والأندلس وغرب إفريقيا. والفتوحات كانت من المغرب والمغاربة مع الفاتحين حملوا كتابتهم الأولى للأندلس، والتطوّرات التي حدثت في القيروان تأثر بها الأندلسيون من خلال روابط العلاقات الثقافية الوطيدة فيما بينهم، وكانت القيروان مركز عبور نحو الشرق ومنه، كما كان يقصدها من الأندلس طلاب وعلماء للبحث والدراسة، إلا أن الحضارة التي عرفت باستقرار المسلمين في الأندلس جعلت التبعية في تطوّر الكتابة فيها لا للقيروان.

2-             تطوّر الخط الأندلسي

من أهم الخطوط التي كتبت بِها المصاحف خلاف الخط الكوفي، الخط المغربي، والمقصود بالخط المغربي خطوط العالم الإسلامي شمال أفريقية والأندلس.  بلغ هذا الخط الجميل السَلس غاية نمّوه في إسبانيا والمغرب في أواخر القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وكان الأسلوب المتصل الأوحد المولّد من الكوفي مباشرة. وأقدم ما وجد منه يرجع إلى سنة 300 للهجرة أي 912 م. وكان يسمى الخط "القيرواني" نسبة إلى مركز أهميته وهي مدينة القيروان.

وظهر في الأندلس نوع مطوّر من الخط القيرواني أصبح يسمى بالخط الأندلسي، يميل إلى الليونة في رسم حروفه. ويمتاز عن الخط المغربي بما يشيع فيه من الاستدارات وتداخل الكلمات وإطالة أواخر الحروف، والعناية بتنسيق الكتابة وتحسينها. ونجده في نسخ القرآن المكتوبة في الأندلس وشمال أفريقية.

وتطوّر هذا النوع من الخط في الأندلس بعد أن انتقلت عاصمة بلاد المغرب من القيروان في شمال أفريقية إلى الأندلس، ثم قلّت العناية بالخط المغربي في المصاحف التي كتبت في غرناطة وفاس في القرنين والرابع عشر والخامس عشر، وإن لم تفقد الزخارف المتعددة الألوان بهجتها وجمالها.

الخط الأندلسي انبثقت من بين ثنايا أسطره الأناقة والأصالة تميّز وتفرّد بجماليته عن باقي الخطوط العربية الأخرى. له شخصية مستقلّة تميّزه عن غيره من الخطوط الأخرى. وأصبح خط الأندلس هو القدوة للمغرب.

كما ذكرنا فقد وقع تبنّي الخط الكوفي في البداية. ثم تطوّر في عهد الخلفاء الأمويين لينتهي في القرن الرابع الهجري/10 م إلى نوعين أساسيين هما:

 

- الخط الكوفي الأندلسي: ويتميز بغلبة الزوايا وهو شديد التأثر بالخط الكوفي.

- الخط القرطبي أو الأندلسي: إن الخط " الأندلسي" أو "القرطبي" فخطوطته أكثر رشاقة وتقارباً من الخطوط المشابهة، ويتميّز باستطالات خطوطه الأفقية وسحباته السفلى. وتكثر فيه الانحناءات والاستدارات، وقد استخدم في نسخ المصاحف والكتب وقد غدا هذا الخط من أشهر الأساليب في الأندلس. وقد ساد هذا النوع في المغرب العربي كلّه حتى أواخر حكم الموحّدين.

نما الخط العربي في الأندلس وتطوّر وقد وصلتنا نماذج تؤكد وتدل على ذلك، وتاريخها يعود للقرن الرابع الهجري. إن الأندلس بما طوّرته من كتابتها الأموية سبقت المشرق بقرون في استخدام الخط اللين بدل اليابس على صفحات القرآن العظيم.

وفي مصحف ابن غطوس (ت 610ه‍/ 1213م)  نشاهد التطوّرات التي جرت في أحضان المصحف في بلاد الأندلس فمن اليبوسة إلى الليونة، ومن القيرواني البديع إلى الأندلسي البهي الجميل.