أبو بكر ابن العربي

د. سهى بعيون

1 /11/ 2017

نشأ في بلاط بني عباد بإشبيلية محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربي. قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية سنة (468ه‍/1076م).

ارتحل إلى المشرق سنة (485ه‍/1092م) وكان آنذاك شاباً يافعاً، ورافقه في رحلته والده الذي حرص على أن ينال ابنه مزيداً من العلم والمعرفة بلقاء علماء مصر والشام والعراق، وقد اكتسب أبو بكر كثيراً من العلم في رحلته المذكورة. وكان أبو بكر خلال ذلك مخلصاً في طلب العلم ساعياً في اكتسابه شديد الصبر والجلد في سبيل ذلك.

ومما يذكر عن رحلته العلمية وإقامته في المشرق أنّه كان يحفظ خلال إقامته في العراق في كل يوم سبع عشر ورقة.

وقد بلغ من تحصيل أبي بكر للعلم والمعرفة وسعة ما أخذه عن علماء وفقهاء المشرق أن قال: «كل من رحل لم يأت بمثل ما أتيتُ به من العلم إلا الباجي».

وعاد إلى بلاده سنة (493ه‍/1099م) حيث اتجه إلى نشر علومه ومعارفه بعد أن مهر في الفقه والحديث وعلوم القرآن. وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين.

وقصده العلماء وطلبة العلم، وأخذوا عنه كثيراً من علومه ومعارفه. درّس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير. وتمكن ابن العربي من بث روح نشطة في ميدان الدراسات الدينية، وذاعت شهرة مجالسه العلمية وخصوصاً مجلسه الذي أملى فيه كتابه، «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس»، وكان هذا المجلس يشهد إقبالاً منقطع النظير من علماء وطلبة قرطبة وغيرها من مدن الأندلس الأخرى.

ونظراً لعلو مكانته في الفقه ولي قضاء إشبيلية، فقام بِها أجمل قيام. فكان عادلاً منصفاً متحرياً للحق في أحكامه، شديداً على أهل الباطل، صارماً في معاملتهم والأخذ على أيديهم بما يمليه الحق، مما كان له الأثر في نمو روح العداوة لدى بعض الأشخاص الذين كادوا له وسعوا في التضييق عليه ونُهبت كتبه وأمواله، فواجه كل ذلك بقلب صابر وعزيمة لا تلين، وانصرف عن القضاء فتفرّغ للعلم وصنف فيه كتباً نفيسة.

وكان فصيحاً، حافظاً، أديباً، شاعراً، من أهل التفنُّن في العلوم والاستبحار فيها، والجمع لها، متقدّماً في المعارف كلها، متكلّماً في أنواعها، نافذاً في جميعها، حريصاً على  أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، أحد من بلغ مرتبة الاجتهاد، وأحد من انفرد بالأندلس بعلو الإسناد، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الود.

قال ابن بشكوال عنه: «ختام علماء الأندلس وآخر أئمّتها وحُفّاظها».

صنّف كتباً في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. ومن كتبه «العواصم في القواصم» و«أحكام القرآن» و«القبس في شرح موطأ ابن أنس» والناسخ والمنسوخ» و«المحصول» في أصول الفقه، و«كتاب المتكلمين».

ومات ابن العربي بقرب فاس، ودفن بِها سنة 543ه‍/1148م.