تطوّر الفكر الفلسفي في الأندلس

 

د. سهى بعيون

1 /11/ 2012

 

 

مرّت الفلسفة في الأندلس بعدة مراحل، تطوّرت وأثّرت فيها عدّة أفكار، حتى وصلت إلى الفلسفة الصرفة فيما بعد.

ففي القرن التاسع بدأت في الظهور بعض فئات المعتزلة، الذين بدأوا يشكلون أهمية كبيرة في تطوّر الفلسفة في وقت لاحق؛ بل وأثّروا على الفلسفة المسرية.

 

لم تدخل الفلسفة الأندلس صريحة ظاهرة، ولكن دخلت بقناع ساتر وبرفقة العلوم التطبيقية كالطب والفلك والرياضيات، أو دخلت متخفية في ثنايا بدع الاعتزال وبعض مذاهب الباطنية، كما اجتهد أصحاب هذه المذاهب في النَّجاة بأنفسهم من تعقب الفقهاء وأهل الدولة بالظهور في مظهر التديّن والنسك.

 

وإننا نرى أنّ الفلاسفة الأندلسيين الأوّلين أطباء مثل الكرماني، وأبي جعفر أحمد بن خميس، وحَمدين بن أبان، أو منجّمين مثل ابن السمينة ومسلمة بن أحمد المجريطي والزهراوي وغيرهم.

 

فقد كان الفلاسفة الأندلسيين الأوّلين أطباء أو منجّمين، ثم أخذ الطب والتنجيم يتبلوران إلى فلسفة مدة سنين، حتى ظفرنا بالفلاسفة الحقيقيين. وإنّ وصول الكتب الفلسفية اليونانية إلى الأندلس كان لها الأثر الكبير في تبلور الفكر الفلسفي. فَهذه العوامل كلها عملت في تكوين طبقة كانت تشتغل بالطب والتنجيم أولاً، ثم بمناسبة تغلغلهم في كتب اليونانيين اتصلت الأجيال التي أتت بعد ذلك بالفلسفة على عمومها.

 

فلم تعرف الأندلس الفلسفة إلاّ في أواخر القرن العاشر للميلاد وعلى يد عالم جديد أقام مدرسة فكرية حديثة على غرار المدرسة الأفلاطونية الحديثة هو محمد بن عبد الله بن مسرة (269 ـ 319ه‍ / 883 ـ 931م) رائد الفلسفة الإسلامية في الأندلس. والذي يعتبر أول مؤسس للفكر الأندلسي.

 

وإن فكر ابن مسرة عبارة عن تركيب للمبادئ المعتزلية المتعلقة بالوحدة الإلهية، والعدل الإلهي، والقدرية مع النظريات والتطبيقات الصوفية.

 

يبدو أنّ الفلسفة في ذلك العصر كانت أميل إلى التصوف منه إلى الفلسفة البحتة، وهؤلاء اتبعوا من الفلاسفة أفلوطين، وربما عددنا من أوائلهم ابن مسرة. وهي تعتمد على الذوق والكشف ومراقبة النفس أكثر مما تعتمد على العقل والمنطق ومقدمات القياس ونتائجه.

فقد كانت الفلسفة في تلك الفترة أميل إلى التصوف، ولكن تطوّرت بعد ذلك إلى الفلسفة الصرفة.

 

ويحدثنا ابن طفيل عن تاريخ الفلسفة في وطنه فيشير إلى بداية اهتمام علمائه بالعلوم المختلفة وكيف أفضى ب‍هم الحال إلى النظر في علوم الأوائل وخاصة العلوم الرياضية، ثم أتت طائفة اهتمت بالمنطق والنظر فيه ودراسته ولكنهم لم يبلغوا درجة الكمال في ذلك، لتأتي طائفة ثالثة أحذق ممن سبق نظراً وأقرب إلى الصواب وفي مقدمتهم الفيلسوف أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجه.

 

فقد ظهرت الفلسفة لأول مرة كفلسفة، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وهو ما اقترن بازدهار ممالك الطوائف، وخاصة في تلك السنوات التي ارتفع فيها شأن الفكر والفلسفة في سرقسطة، ويؤكد ابن الطفيل نفسه على أنّه لم يكن هناك أي فيلسوف يطاول فيلسوف سرقسطة ابن باجة.

 

أثبت الأندلسيون أنّ لهم عطاءً سخياً في هذا العلم رغم ما أحيط به من قيود ومحاذير، فقد تطوّرت الحركة الفلسفية في عصر الطوائف، وبخاصة بعد دخول رسائل إخوان الصفا على يد أبي الحكم الكرماني. ومثل هذا النشاط في ميدان الفلسفة مهد لظهور كبار فلاسفة الأندلس كابن باجه الذي ولد في عصر ملوك الطوائف وابن رشد وابن طفيل وسواهم في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي.