علي بن إسماعيل بن سيده

د. سهى بعيون

1 /3/ 2013

 

 

هو علي بن أحمد بن إسماعيل، المعروف بابن سيده، أبو الحسن، إمام في اللغة وآداب‍ها. نبغ في آداب اللغة ومفردات‍ها، من مملكة دانية ولد بمرسية (في شرق الأندلس) سنة (398ه‍/ 1007م) وانتقل إلى دانية فتوفي بِها سنة (458ه‍/ 1066م). كان ضريراً (وكذلك أبوه).

 

وغلبت صفة اللغوي النحوي عليه عند معظم الذين ترجموا له. ويبدو أنّ ابن سيده كان معجباً بنفسه ومزهوّاً بما عنده.

كان عالماً باللغة، متضلعاً من علومها، حتى وصف بأنّه لا نظير له اعتناء باللغة ولا أمهر منه في معرفة أسرارها، وأنّ مؤلفاته فيها تعد أعظم ما أنجز في ذلك.  ولم يكن صيته العلمي مقتصراً على وطنه الأندلس بل تعداه إلى المشرق. فهو مفخرة من مفاخر العرب في الشرق والغرب.

 

وقد اكتسب ابن سيده بسيرته العلمية الفذة ثناء العلماء حتى وصفوه بشيخ اللغويين والنحاة وأنّه أعلم أهل الأندلس بالنحو واللغة والأشعار وأحفظهم لذلك، فكان يحفظ الكثير من المصنفات اللغوية والنحوية عن ظهر قلب. وذكره الحميدي وقال: «إمام في اللغة والعربية، حافظاً لهما على أنّه كان ضريراً، وقد جمع في ذلك جُموعاً، وله مع ذلك في الشعر حظٌّ وتصرُّف».

 

واشتغل ابن سيده بنظم الشعر مدة، وحلّ ضيفاً على الملك مجاهد العامري بدانية وكان هذا مولعاً بالدراسات اللغوية، محباً للعلم والعلماء وخاصة الماهرين منهم في اللغة والنحو والقراءات، فوجد ابن سيده لديه كل تكريم وإجلال وكلفه مجاهد بتأليف معجم كامل في اللغة، فصنف ابن سيده كتابه الشهير «المخصص».

 

وكتابه «المخصص» في اللغة لم يؤلف مثله في بابه، ويعتبر هذا الكتاب دائرة معارف جليلة، وإنّ من يطلع عليه فإنّه سيلمس ما كان عليه ذلك العلامة من علم واسع ومعرفة عميقة وشاملة لم تتأتَ لغيره، والكتاب في مضمونه لغوي مرتب حسب المعاني وكل موضوع من موضوعات الحياة البشرية من مادي ومعنوي يذكر مفرداً، ويضع له باباً خاصاً به ثم يذكر جميع ما ورد فيه عن العرب من ألفاظ وجمل.

 

كما أنّ ابن سيده ضمّن كتابه «المخصص» الكثير من المعارف الجغرافية المتعلقة بالأرض وأوصافها وما يتصل بذلك من خصب وجدب ورمال وانخفاض وارتفاع واستواء وصحة وحرث ونبات وكذلك ما يتعلق بالشجر. وأوصافها، والنبات والثمار وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة القوية بعلم الجغرافيا.

 

وجمع ابن سيده في اللغة كتاب «المحكم»، يقارب عشرين مجلداً، لم ير مثله في فنه، ولا يعرف قدره إلاّ من وقف عليه. وقد نال هذا الكتاب استحسان العلماء، بل وصفه البعض بأنّه ليس في كتب اللغة أحسن ولا أنفع منه، وله غير ذلك من الكتب الأدبية.

 

وكتاب «المحكم» يعدّ من أحسن المعاجم اللغوية التي سار مؤلفها على الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170ه‍/ 786م) من حيث ترتيب الأبواب داخل كل كتاب من كتبه ومن حيث توزيع المواد اللغوية في أبواب الكتاب، وكذلك من حيث إنجازه أثناء العرض، ولما تضمنه من تخريج وتعليق حول المسائل الصرفية والنحوية، بالإضافة إلى اشتماله على صيغ ومصطلحات وشروح.

 

ولابن سيده مصنفات أخرى منها كتاب «الأنيق» في شرح حماسة أبي تمام. و «شرح كتاب الأخفش»، وصنف «شرح مشكل أبيات المتنبي»، وله في اللغة كتابه الكبير الذي سماه «العالم» بدأ فيه بالفلك، وكتاب «كتاب العالم والمتعلم» كله أسئلة وأجوبة، وله «شاذ اللغة» خمس مجلدات، وغير ذلك.

 

وابن سيده هو أعلم أهل الأندلس قاطبة بالنحو واللغة والأشعار. ويُعَدّ بلا مبالغة أشهر من أخرجته الأندلس في ميدان علوم اللغة وكان إلى جانب ذلك ماهراً في المنطق وله فيه تصنيف.

 

ولابن سيده العالم اللغوي مساهمة طيبة في حقل الزراعة من خلال دراساته اللغوية، فقد بيّن لنا كثيراً من أسماء النباتات، والأشجار وسعى إلى ترتيب النبات حسب مكان نموه وحسب طبيعة ورقه من حيث بقاؤه أو سقوطه، وتحدث عن الآفات الزراعية التي تصيب النبات ضابطاً لأسماء تلك الآفات وواصفاً لخصائصها، وكان جهده واضحاً في توضيح ما يلحق بالنباتات من آفات مختلفة، وعلل حصول ذلك بقسوة المناخ من برودة أو جفاف أو ما يصيبها من طفيليات. وفي حديثه عن الكرم يذكر مختلف الوسائل والسبل المتبعة في غرسه وأطوار نموه ذاكراً أفضل الطرق للمحافظة عليه وصيانته والعناية به مع الإشارة إلى أنواع الكرم، هذا مع التزامه بانتقاء اللفظة العلمية والفنية التي تبين كل ذلك بجلاء ووضوح تامين.

 

ولا ريب أنّ ذلك ينم عما كان عليه ابن سيده من علم واسع واطلاع شامل ليس في اللغة فقط وإنّما بمظاهر الحياة ومما تحويه البيئة.

ويكفي الأندلس فخراً أن تزهو بأمثال العلامة اللغوي النحوي الشهير ابن سيده.