المعتمد ابن عبّاد الملك الشاعر

 
د. سهى بعيون
1 /4/ 2012
 
حياته
كان المُعْتمِد على الله محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل اللخمي، أبو القاسم، الملك الشاعر صاحب إشبيلية وقرطبة، أحد أفراد الدهر شجاعة وحزماً وضبطاً للأمور، وهو إحدى الشخصيات الأكثر أهمية في التاريخ الأندلسي.
ولد المعتمد في باجة (بالأندلس) سنة 431ه‍/ 1040م، وولي إشبيلية بعد وفاة أبيه (سنة 461ه‍) وكان عمره ست وعشرون سنة.وامتلك قرطبة وكثيراً من المملكة الأندلسية، واتسع سلطانه إلى أن بلغ مدينة مرسية (وكانت تعرف بتدمير). أندى ملوك الأندلس راحة، وأرحبهم ساحة، وأعظمهم ثماراً، وأرفعهم عماراً. وأصبح محط الرحّال، يقصده العلماء والشعراء والأمراء. وما اجتمع في باب أحد من ملوك عصره ما كان يجتمع في بابه من أعيان الأدب. وكان فصيحاً شاعراً وكاتباً مترسلاً، بديع التوقيع، له «ديوان شعر».
 
ولم يزل في صفاء ودعة إلى سنة 478ه‍. وفيها استولى ملك الروم «الأذفونش» ألفونس السادس على «طليطلة» وكان ملوك الطوائف وكبيرهم المعتمد ابن عباد، يؤدون للأذفونش ضريبة سنوية، فلما ملك «طليطلة» ردّ ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يهدده ويدعوه إلى النزول له عما في يده من الحصون. فكتب المعتمد إلى يوسف بن تاشفين (صاحب مراكش) يستنجده، وإلى ملوك الأندلس يستثير عزائمهم. ونشبت (سنة 479ه‍) المعركة المعروفة بوقعة «الزلاقة» فان‍هزم الأذفونش (ألفونس) بعد أن أبيد أكثر عساكره. وثارت فتنة في قرطبة (سنة 483ه‍) فتل فيها ابن للمعتمد، وفتنة ثانية في إشبيلية أطفأ المعتمد نارها، فخمدت. ثم اتقدت، وظهر من روائها جيش يقوده «سير بن أبي بكر الأندلسي» من قواد جيش «ابن تاشفين» وحوصر المعتمد في إشبيلية. واستولى الفزع على أهل إشبيلية وتفرقت جموع المعتمد، وقتل ولداه «المأمون» و «الراضي»، واستسلم للأسر (سنة 484ه‍) وحُمل مقيّداً، مع أهله، على سفينة. وأدخل على ابن تاشفين، في مراكش، فأمر بإرساله ومن معه إلى أغمات Agmat وهي بلدة صغيرة وراء مراكش.
ويظل الشاعر الأمير رهين محبسه وقد ضاع ملكه، وتشردت عائلته، ويستفيق ذات مرة مع العيد ليستعيد ذكريات كانت حلماً ضاحكاً سرعان ما خبا.
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً     فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
 
وبقي في أغمات إلى أن مات سنة 488ه‍/1095م. وهو آخر ملوك الدولة العبادية.
ولننشد مع الوزير الوفي لسان الدين بن الخطيب وقد وقف على قبر المعتمد:
قد زرت قبرك عن طوع باغمات    رأيت ذلك من أولى المهمات
لم لا أزورك يا أندى الملوك يداً       ويا سراج الليالي المدلهمات
كَرمت حيّاً وميتاً واشتهرت عُلىً     فأنت سلطان أحياء وأموات
 
حبه لاعتماد الرميكيّة
لقد سحر المعتمد بالأندلس أرضه الخضراء، وما لبث أن تجاوب مع حب عنيد جارف رفعه إلى مصاف كبار شعراء الأندلس. أحب المعتمد جارية أجازته في عجز من بيت،ويحكي الرواة أنّ الأمير كان مع صديقه ابن عمّار يتنزّهان قرب مرج الفضّة على شاطئ ن‍هر الوادي الكبير فأعجب بمنظر الماء المتموج فقال: صنع الريح على الماء زرد
ثم طلب إلى ابن عمّار أن يجيزه فأبطأ وكان على الشاطئ جوار يملأن جرارهن فردّت إحداهنّ: أيّ درع لقتال لو جمد
فردد المعتمد البيت الذي كان فاتحة حبه:
صنع الريح على الماء زرد      أيّ درع لقتال لو جمد
 
كانت الجارية التي أجازت الأمير اعتماد الرميكية، اشتراها المعتمد فيما بعد في أيام أبيه المعتضد، فتزوجها، وأحبها، وأفرط في الميل إليها، واتخذ من اسمها لقباً رسمياً لنفسه في تاريخ دولة بني عبّاد، فكان المعتمد على الله نسبة إلى اعتماد بعد أن عرف بالظافر، أو المؤيد وفي ذلك يقول:
دسست اسمك الحلو في طيه          وألفت منه حروفَ «اعتماد»
 
اهتمامه بالشعر والأدب
كان المعتضد أبو المعتمد شاعراً، ولكنه دون ابنه المعتمد. فإنّ شهرة البيت العبادي وذيوع صيتهم في علم الأدب، كانت منوطة بالمُعْتمِد بن عَبّاد الذي اشتهر بالأدب شهرته كملك عظيم من ملوك عصره، حتى أنّه صار أكبر شاعر في أسبانيا المسلمة. المعتمد بن عباد من الملوك الشعراء، وهو أشهر بني عباد سياسة وأدباً وشعراً .فمنذ سنين مراهقته، كان المعتمد يفضل مجتمع الفنانين ورجالات الأدب على مجتمع السياسيين؛ وفوق ذلك كان شديد الولع بالآداب والفنون والعلوم.
 
فقد نشأ المعتمد في محيط بالغ الثروة والأب‍هة والجاه، وفي جو يشجّع على الإبداع الشعري والأدبي. وقد اكتسب المعتمد هذه الشهرة بعد طول مدارسة للأدب ومطالعة لكتبه ومصنفاته، إلى جانب رغبته العميقة في صقل موهبته الشعرية وتقوية ملكته الأدبية، وهو أمر يتضح لنا من خلال دراسة أدبه وشعره وآرائه النقدية حول ذلك. وقد أكسبه حبه للأدب واهتمامه بالشعر نظراً عميقاً، ونقداً صحيحاً لما يسمعه منه.
 
فقد كان ذا باع طويل في قرض الشعر، وكان شديد الاهتمام بالأدب عظيم العناية به، بارعاً في نظم الشعر. ولم يكن في ملوك الأندلس قبله أشعر منه ولا أوسع مادة. وقد بلغ من مهارته في الشعر وإجادته في نظمه أن عدّ أشعر ملوك الأندلس وأبدعهم شعراً. وقد ردد المعتمد في شعره أرق الأنغام في حالتي النعمى والبؤسى. وألّف ابن بسام عن شعره كتاب «الاعتماد على ما صح من شعر المعتمد بن عباد».
 
كان المعتمد شاعراً وراعياً للشعراء،  فقد كان شديد الرغبة، عظيم العناية في اجتذاب العلماء والأدباء إلى بلاطه حريصاً على إكرامِهم واستدعائِهم من بلدان بعيدة، حتى اجتمع لديه من أهل العلم والأدب ما لم يجتمع لغيره من ملوك عصره، وغدا بلاطه حافلاً بأعداد كبيرة من الأدباء والشعراء وكانوا يمثلون آنذاك أساطين الأدب والشعر، وكانوا يلقون في بلاط المعتمد كل مظاهر الحفاوة والرعاية. فكان يعرف كيف يكافئ بلا أنانية، أفضل منافسيه، عندما كانوا ينازعونه قصب النبوغ. وكان المعتمد قد عرف بحكمة كيف يحتفظ بوزير أبيه، ابن زيدون (1033ـ1073م). ومما يذكر عن سيرته في اختيار وزرائه، أنّه كان لا يستوزر إلا من كان متحلياً بالأدب ناظماً للشعر، فكان بلاطه على هذه الحال منتدى للأدب والشعر على الدوام.
 
فكانت مجالسه تشبه مجالس هارون الرشيد في جمعها لرجال الأدب والشعر، ولم يترك شعراء بلاطه معنى من المعاني لم يطرقوه ولا غرضاً من أغراض الشعر قديماً وحديثاً لم يقولوا فيه شعراً جيداً. وقد صوّر المعتمد في شعره حياته كلها منذ نشأته إلى وفاته في محبسه.
وإنّ المعتمد يشكل صفحات من المجد والترف والبطولة والإباء والشعر.
 
وتعطينا أسرة بني عباد نموذجاً واضحاً لمدى اهتمام هذه الأسر بالأدب والتعلق بالشعر، لقد كان جميع أمرائها تقريباً ينظمون الشعر ويجالسون الأدباء والشعراء ويتابعون النشاط الأدبي بشغف واهتمام.