اعتماد الرُّمَيْكِيَّة

د. سهى بعيون

1 / 3/ 2015

اعتماد الرُّمَيْكِيَّة ذات الشأن العظيم في تاريخ المعتمد بن عبّاد، صاحب إشبيلية، كبير ملوك الطوائف. وكانت أديبة شاعرة ذاكرة لكثير من اللغة معدودة من علماء إشبيلية. كانت جارية لرميك بن حجاج فنسبت إليه. واستطاعت اعتماد الرميكية أن تجذب نظر المعتمد إليها يوم أن أجازت شطر بيت له عجز عن إجازته ابن عمار شاعر الأندلس المشهور، فأفحمته.

يحكي الرواة أنّ الأمير كان مع صديقه ابن عمّار يتنزّهان قرب مرج الفضّة على شاطئ ن‍هر الوادي الكبير فأعجب بمنظر الماء المتموج فقال: صنع الريح على الماء زرد

ثم طلب إلى ابن عمّار أن يجيزه فأبطأ وكان على الشاطئ جوار يملأن جرارهن فردّت إحداهنّ: أيّ درع لقتال لو جمد

فردد المعتمد البيت الذي كان فاتحة حبه:

صنع الريح على الماء زرد       أيّ درع لقتال لو جمد

واشتراها المعتمد فيما بعد في أيام أبيه المعتضد، فتزوجها، وأحبها، وأفرط في الميل إليها، واتخذ من اسمها لقباً رسمياً لنفسه في تاريخ دولة بني عبّاد، فكان المعتمد على الله نسبة إلى اعتماد بعد أن عرف بالظافر، أو المؤيد وفي ذلك يقول:

دسست اسمك الحلو في طيه      وألفت منه حروفَ «اعتماد»

كان حديثها على حدّ قول الرواة يفيض عذوبة وطلاوة كما كانت طلعتها مسعدة، حاضرة الجواب، بارعة الرد إلى جانب رقة طبيعية غالبة، ومرح لطيف تشوبه سذاجة الطفولة.

كان المعتمد كثيراً ما يأنس بِها، ويستظرف نوادرها، ولم تكن لها معرفة بالغناء، وإنّما كانت مليحة الوجه، حسنة الحديث، حلوة النادر، كثير الفكاهة، لها في ذلك نوادر محكية.

ومن أخبار الرميكية القصة المشهورة في قولها وهي صاحبة «ولا يوم الطين»، وذلك أنّها رأت بعض نساء البادية بإشبيلية يبعن اللبن في القرَب وهنّ ماشيات في الطين، فاشتهت أن تفعل فعلهنّ، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّرها جميعاً طيناً في قصره وجعل لها قِرَباً وحِبالاً من إبريسم، فخاضت هي وبنات‍ها وجواريها في ذلك الطين.

أنجبت للمعتمد أولاداً شاركوا أباهم في امتلاك الأندلس فسميت أم الملوك، ولد له منها: عبّاد الملقب بالمأمون، وعبيد الله الملقب بالرشيد، ويزيد الملقب بالراضي، والمؤتمن، وبثينة الشاعرة.

ويشاء القدر أن ينمو غيظ ابن عمار منها على مدى الزمن وأن تزداد حقداً عليه حتى حالت بين المعتمد والصفح عنه، فذكرته بالقصيدة التي يقال إنّ ابن عمار قالها في هجائها، وذكره فيها بضآلة أصلها.

وأغار يوسف بن تاشفين على إشبيلية فأسر المعتمد والرميكية وأرسلهما إلى «أغمات» من مراكش، معتقلين، بعد أن قتل ولديهما المأمون والراضي. وقاسمت المعتمد أيام نعيمه وأيام بؤسه، وماتت في أغمات سنة 488ه‍/1095م، قبل المعتمد بأيام، ولم ترقأ له عبرة ولا فارقته حسرة حتى قضى نحبه أسفاً وحزناً.