نشاط التجار بين المشرق العربي والأندلس

د. سهى بعيون

1/1/ 2019

أدى التجار العرب المسلمون دوراً بارزاً في توطيد العلاقـات التجارية بين بلاد الأندلس والمشرق العربي من خلال الرحلات الطويلة المتبادلة. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الغاية المنشودة والهدف الرئيسي من رحلات الأندلسيين إلى المشرق هو تأدية فريضة الحج وطلب العلم، وكانت ممارسـة الحجاج والعلماء للتجارة أثناء الرحلة تسهم في التكسب الحلال لتقليل النفقات وتوفير فائض يساعد على الاستمرار في التنقل وزيارة المزيد من المدن الإسلامية المقدسة والتعرف على علمائها والاستماع إليهم ونقل رواياتهم ثم العودة بعد ذلك إلى الأندلس بمنتجات المشرق. لذلك لم ترد في نصوص التراجم الأندلسية العامة وكتب التاريخ معلومات وإشارات مفصلة ووافية عن النشاط التجاري الذي قام به هؤلاء العلماء والحجاج تمكننا من معرفة آثار هذا النشاط ونتائجه الإيجابية.

ولكي نتعرف على بعض ملامـح هذا الدور لابد من الإشارة إلى بعض التجار الذين كان لهم قصب السـبق في الوصـول إلى أسـواق الأندلـس وأسواق المشرق والاستفادة من صادراتِها ووارداتِها.

علماء الأندلس الذين رحلوا إلى المشرق ومارسوا التجارة

لقد قدمت المصادر العربية معلومات متفرقة عن الأفراد المسلمين النشيطين في تجارة الأندلس، وقد دلت هذه المصادر على أنّ نِهاية عصر الريادة الأموية في قرطبة كان عهداً خصيباً للأنشطة التجارية في الأندلس.

ويعد مسعود بن خيران وهو من أهل بجانة ويكنى أبا القاسم، من أشهر العلماء التجار الذين رحلوا إلى المشرق. وقد أشار إليه ابن الفرضي في «تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس» وقال: «رأينا له كتباً كثيرة. فتوفي وما علمت أن أحداً كتب عنه، ولم يكن من أهل العلم إنما كان تاجراً ». توفي مسعود بن خيران في قرطبة سنة 371 ﻫ/981م .

ومن أهل الأندلس الذين جالوا في المشرق:  

أحمد بن فَتْح بن عبد الله بن علي بن يوسف المُعافري التاجر وهو من قرطبة ويكنى أبا القاسم، ويعرف بابن الرَّسَّان. كان سكناه بحوانيت الريحاني، ومولده في ذي الحجة سنة 319 ﻫ.

ويلاحظ المتتبع لسيرة أحمد بن فتح أنه لم يوفق في عمله بالتجارة وربما أصابته ضائقة مالية في آخر عمره إذ يشير ابن بشكوال إلى أن أحمد توفي في سنة 403 ﻫ /1012 م مختفياً بعد طلبٍ شـديدٍ بسبب مال طلب منه، ودفن بمقبرة نَجْم.

روى عنه الخولاني وقال فيه: رجل صالح على هدي وسنّة. وكان يحسن الفرائض، وألّف فيها كتاباً حسناً، وكانت عنده غرائب وفوائد جمّة.

ومن علماء الأندلس التجار الذين زاروا المشـرق:

أبو عبد الله محمد بن علي التجيبي الدهان الغرناطي. خرج إلى الحج وجال في بلدان المشرق وكان يحترف التجارة. توفي سنة 653 /1255 م بمدينة قوص بمصر في رحلة العودة إلى وطنه من حجته الثانية إلى مكة .

وهناك تاجر عالم آخر هو أبو بكر محمد بن معاوية المرواني (توفي سنة 968م)، وصل إلى أسواق العراق والهند حيث تمكن من جمع 30000 دينار من التجار قبل أن يفقد كل شيء إثر غرق سفينة وهي في طريق عودتها إلى بلاد الأندلس.

كما تذكر الروايات أن صالح بن محمد المرادي (توفي سنة 914م)، وهو تاجر من هييوسكا Huesca، إلى مكة حاجاً، عندما سرقت بضاعته في القيروان، فبقي دون مال وكان عليه أن يبدل طريقه ويعود إلى الأندلس.

  التجار المشارقة الذين زاروا الأندلس

ولقد أدى استقرار الأوضاع السياسية في الأندلس، وتنوع المنتجات والبضائع وانتشار الأمن خـلال فترات طـويلة مـن عصـر الإمـارة ( 138 ﻫ /755م -316 ﻫ /928م) ومن عصر الخلافة (317 ﻫ /929 م- 423 ﻫ /1031م) إلى ازدهار الأوضاع الاقتصادية وتشجيع التجار من أهل المشرق على زيارة الأندلس والإسهام في تنشيط الحركة التجارية بين الأندلس وبلدان المشرق. ومن هؤلاء التجار نذكر:

وثيمة بن موسى بن الفرات، أبو يزيد، المعروف بالوشاء، مؤرخ نشأ في أحد بلاد فارس، وخرج إلى البصرة. ورحل إلى مصر، فالأندلس، ثم عاد إلى الأندلس فمات فيها سنة (237 /851 م ). وتشـير المصادر إلى أن وثـيمة بن موسـى كان من أوائل الشخصيات التجارية المشرقية التي وصلت إلى بلاد الأندلس .

 وكان وثيمة يعمل في تجارة الملابس ومتخصص بتجارة الملابس الحريرية والتي تعرف بالوشي.

وقد اشتهرت فارس في العصور الوسطى بإنتاج الثياب والأكسية والستور والسجاد والبسط وكانت تصدر إنتاجها إلى الخارج. ولقد اتخذ التاجر وثيمة بن موسي مدينة الإسكندرية محطةً ومركزاً لنشاطه التجاري ومنها كان يتنقل بين منطقة الخليج والمغرب وبلاد الأندلس. وبالإضافة إلى ممارسته التجارة كان وثيمة بن موسـى عالماً صنف كتاب سـماه «أخبار الردة».

من التجار المشارقة الذين زاروا الأندلس:

إسحاق بن محمد مولى بني سدوس. ولد إسحاق في البصرة سنة 194 ﻫ/809م وأمتهن التجارة وتخصص في تجارة الجواهر النفيسة وتوفي في سنة 284 ﻫ /897 م في مصر التي اتخذها كغيره من التجار محطة تجارية ينطلق منها إلى الأقطار الأخرى. وبما أن بلاد الأندلس كانت في هذه الفترة منطقة جذب للتجار فأننا لا نستبعد زيارته لها.

 ومن التجار المشارقة الذين وصلوا إلى الأندلس:

محمد بن موسى بن بشير جناد بن لقيط الكناني الرازي. مؤرخ من أهل الري، قدم إلى الأندلس من بلاد فارس. كان يفد من المشـرق على ملوك بني مروان تاجراً. ووطد محمد بن موسى الرازي علاقته بالأمير محمد بن عـبد الرحمن وأصبح مع مرور الوقت من أصدقائه المقربين. وقد أهدى الرازي إلى الأمير محمد بن عبد الرحمن مجموعة من الهدايا جلبها من إحدى رحلاته إلى المشـرق من ضمنها جارية رومية رفيعة القدر ابتاعها من هناك. وقد عرف عن محمد الرازي كثرة الأسفار بين الأندلس والمشرق. وكان متفنناً في العلوم، له كتاب «الرايات» ذكر فيه دخول موسى بن نصير، وكم راية دخلت الأندلس معه من قريش والعرب. ولقد توفي محمد الرازي سنة 273 /886 م في مدينة البيرة بالأندلس.

ومن أشهر العلماء القادمين إلى الأندلس:

الرحالة التاجر المعروف أبو القاسـم محمد بن حوقل البغدادي الموصلي،  هو من العراقيين الذين وصلوا الأندلس. رحالة من علماء البلدان. ولد ببغداد ونشأ بِها، وتعاطى التجارة في الموصل فترة من الزمن. رحل من بغداد سنة 331ه‍/ 943م، وقد أمضى في رحلاته الواسعة زهاء ثلاثين عاماً، دخل المغرب وصقلية، وجاب بلاد الأندلس وغيرها زار الأندلس ومدن‍ها، ووصفها لنا في كتابه «صورة الأرض» معتبراً أنّ بعض مدن‍ها وصناعات‍ها مشاب‍هة للمدن والصناعات العراقية.. توفي بعد سنة 367ه‍/977م، له «المسالك والممالك».

ومن التجار المشارقة الذين زاروا بلاد الأندلس:

علي بن بُنْدار بن إسـماعيل بن مـوسى بن يحيى بن خـالد بن برمك . وقد أشـار المقري إلى أن علياً قدم الأندلس تـاجراً سنة 337 /947 م وكـان ذلـك في عـهد الخـليفة عبـد الرحمن الثالث ( النـاصر لدين الله (300 ﻫ/  912 م - 350 ﻫ / 961 م) .
ولقد قدّم ابن بشكوال معلومات غزيرة عن التجار العلماء الواصلين إلى الأندلس بين سنوات 1041م – 1023م. وتسجل تراجمه أسماء اثنين وعشرين أجنبياً تاجراً. عالماً على الأقل، ممن كانوا نشطاء خلال هذه الفترة القصيرة. إنّ التجار المسلمين الذين ذكرهم قد قدموا بالترحاب، من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وكان قليل منهم من أصول بعيدة مثل اليمن والعراق. وقد جاء بعضهم من شمال أفريقيا، في حين أنّ الغالبية منهم جاؤوا إلى الأندلس من سورية ومصر.