إسهام المرأة الأندلسية في العلوم الدينية

 

د. سهى بعيون

1 / 9/ 2015

 

احتلت العلوم الدينية المرتبة الأولى عند أهل الأندلس، وذلك بفضل الفقهاء الذين كانوا يشجعون‍ها ويرغّبون الناس في الإقبال عليها والنهل منها. وقد صادفت تلك العلوم بيئة صالحة وطبيعة موحية؛ فأقبلت النساء، كما الرجال، على دراستها. وقد شجعتها نساء أندلسيات فاضلات، قضين جلّ أوقات‍هن في التفقه وحفظ الأحاديث والعبادة والتبتل.

ففي عهد الخلافة كانت المساجد بمثابة المدارس تعقد فيها حلقات الدروس. وكان الإقبال على هذه الحلقات يشمل بعض النساء في قرطبة العاصمة، وفي سواها، فيقصدن إليها متنقبات محتشمات. وقد أدّى ذلك إلى ظهور عدد من النساء المتأدبات، العارفات بأصول الدين معرفتهنّ بفنون الأدب. وكان عددهنّ يزداد تبعاً لازدياد اهتمام الخلفاء المتعاقبين بالعلوم والآداب.

لقد بلغت المرأة الأندلسية مكانة في مجال الفقه والتفسير والقراءات. فكان للنساء دور في نشاط علم الفقه، فقد أمدتنا كتب التراجم بعدد من أسماء الفقيهات اللاتي أسهمن في ازدهار الفقه وتعليمه لبنات جنسهن. ومن النساء الفقيهات في عهد الخلافة راضية مولاة عبد الرحمن بن محمد الناصر، وفاطمة بنت يحيى بن يوسف المُغامي.

وكما شاركت النساء في ميدان الفقه فقد كان لهن مشاركة في نشاط الدراسات المتعلقة بالحديث وعلومه. وقد أدّت المرأة الأندلسية منذ عصر الإمارة دورها الصالح، بفضل إيمان‍ها وتقواها، فأقبلت على النهل من علوم الحديث، فأخذت تروي الأحاديث المسندة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتسمع عن الشيوخ الأتقياء ذوي الحجة. فقد شاركت فاطمة بنت محمد بن علي بن شريعة اللخمي أخاها أبا محمد الباجي الإشبيلي في بعض شيوخه؛ وأجازهما وأخاها المحدّث محمد بن فطيس الإلبيري (229ه‍/ 843م ـ 319ه‍/ 931م) في جميع روايته بخط يده.

ومن نساء الأندلس التي كانت لهنّ مشاركة في علم الحديث في عصر الخلافة خديجة بنت جعفر بن نصير بن التّمّار التّميمي، زوج عبد الله بن أسد الفقيه. كانت خديجة عالمة بعلوم الحديث، شاعرة أديبة من أديبات وشاعرات الأندلس. كانت ذات رأي ثاقب وعلم راجح وإبداع في الموسيقى. حدثت عن زوجها الفقيه عبد الله بن أسد بموطأ القَعْنَبي قراءة عليه بلفظها في أصله، وقيّدت فيه سماعها بخطِّها في عام 394ه‍/1003م. وقد حبست كثيراً من كتبها على ابنتها، ورأى بعضها ابن بشكوال.

وكان لبعض النساء مشاركة في ازدهار علم القراءات. تذكر الروايات أنّ العلامة المقرئ عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ (ت 444ه‍/1052م) أقرأ بمدينة المرية إحدى النساء الماهرات في القراءات وتدعى ريحانة فقرأت عليه القرآن بِها، وكانت تقعد خلف ستر فتقرأ، ويشير لها بقضيب بيده إلى المواقف، فأتمت الأحرف السبعة عليه، وطلبته الإجازة فرفض ولكنه كتبها لها فيما بعد.

لقد أسهمت المرأة الأندلسية مساهمة عميقة في مجالات عدّة؛ في الأدب والعلم، وأحاطت بجميع فروع المعرفة، فنجد أنّ المرأة الأندلسية قد وجدت في الأندلس منطلقاً عظيماً لمواهبها، وحافزاً على استكمال شخصيتها.