الشاعر ابن خفّاجة

د. سهى بعيون

1 /10/ 2018

 

هو إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله المشهور بابن خفاجة الهواري الأندلسي (450 ـ 533ه‍/1058ـ1138م)، أشهر شعراء الطبيعة.

 

كان ابن خفاجة شاعر غزل، ومن الكتاب البلغاء. كانت نشأته بمدينة شُقر من أعمال بلنسية في الجانب الشرقي للأندلس. فتعلّم ونظم الشعر، وكتب الرسائل الإخوانية البليغة وعرف بعزّة نفسه وعلو همته وترفعه عن استرفاد ملوك عصره، فلم يعرف عنه أنّه طرق باب ملك من الملوك لينل صلاته، فعاش كريم النفس أبيها على الرغم من أنّه سلك مسالك اللهو في شبابه، ولكنه عندما آذن الشباب بالرحيل ثاب إلى رشده وعرف حق ربه عليه. أما شعره فكان في الطبقة العالية، فنال ثناء المؤرخين والأدباء ووصف بأنّه شاعر الأندلس بلا منازع وأنّه لا يعرف له نظير في علو مكانته وقدراته الواسعة في الشعر وخاصة الوصف.

 

قال ابن الأبار: «وكان عالماً بالآداب، صدراً في البلغاء، متقدّماً في الكُتّاب، والشعراء، يتصرّف كيف يريد فيبدع ويجيد، ناظماً وناثراً، ومادحاً وراثياً».

وقال الضبي: «شاعر مشهور متقدم مبرز حسن الشعر جداً، خبيث الهجاء، وشعره كثير مجموع، وكانت له همة رفيعة».

اشتهر ابن خفاجة في الأدب العربي بأنّه شاعر الطبيعة بالدرجة الأولى. كان ابن خفاجة أشهر وصّاف الطبيعة، وغلب على شعره وصف الحوادث الجوية، ومناظر الطبيعة بأخيلة جميلة وتشبيهاتٍ بديعة. وله غزلٌ رقيقٌ، ومدحٌ بارعٌ، ورثاء بليغٌ.

 

وكان ابن خفاجة شاعر الجمال في مظاهر الطبيعة. ويمثل ظهور ابن خفاجة انعطافة جديدة في الشعر الأندلسي. وينظر مؤرخو الأدب عادة إلى التغيير الذي أوجده في هذا الشعر في إطار معالجته للطبيعة. سعى ابن خفاجة إلى تشخيص الطبيعة فهو يقف عند المنظر الطبيعي ويصفه كله جزءاً جزءاً محيطاً إياه بريشته الشعرية، ولم يكتف بذلك بل وثق الرابطة العاطفية بينه وبين الطبيعة فربطها بكل موضوع يطرقه وجعلها المرتكز الذي يعول عليه نظمه عامة، فربطها بالرثاء والغناء والزهد فأمدها على ذلك بالمعاني الحزينة الباكية وبادلها الحديث في صمتها وحركتها.

ويمتاز شعره بالجزالة وكثرة المعاني وازدحامها في اللفظ، حتى يحتاج في فهمها إلى التأمل على خلاف مذهب الأندلسيين. وكان ابن خفاجة، وبخاصة في أيام شبابه، شديد الولع باستخدام المحسّنات البلاغية.

 

فمن الأبيات التي قالها ابن خفاجة في رثاء الوزير أبي محمد عبد الله بن ربيعة، والتي مزج  فيها الطبيعة بالحزن والبكاء في مقام الرثاء:

في كُلِّ نادٍ منكَ رَوْضُ ثَنَاءِ                وبكُلِّ خَدٍّ فيكَ جَدْوَلُ ماءِ

ولِكُلِّ شَخْصٍ هِزَّةُ الغُصْنِ النَّدي           تَحتَ البكاءِ وَرِنَّةُ المُكَّاءِ

يا مَطْلَعَ الأنْوارِ إنّ بمُقْلَتي                أسَفاً عليكَ لَمَطْلَعَ الأنواءِ

 

إنّ ابن خفاجة قد أقدم في جرأة على هذا الضرب الجديد من مزج الطبيعة بالرثاء.

ابن خفاجة هو ابن الأندلس بعامة، وابن الطبيعة بخاصة، لقد امتلأت عليه الطبيعة حياته، وكانت له ضيعة في وديان بلنسية، أبعدته عن حياة التكسب، فضمنت له عيشة راضية بفنه، وجعلته غناء خالصاً للطبيعة، فوقف في محرابِها يتغنى بأجمل الألحان.