الفتح الإسلامي للأندلس والعهود التي مرّت بِها

د. سهى بعيون

1 /9/ 2014

 كان فتحُ المسلمين لإسبانيا في أوائلِ القرنِ الثامنِ للميلاد نتيجةَ مخطَّطٍ سياسي وعسكري، اتَّفقَ عليه الخليفةُ الأموي الوليد بن عبدِ الملك في دمشق، مع قائدِهِ في المغرب موسى بن نُصير. وبدأتْ أولى المعاركِ بعدةِ غاراتٍ استكشافية على جَنوبِ إسبانيا، ثم تكرَّرَتْ في شهرِ رمضانَ سنة (91ه‍ ـ 710م) على يدِ طَريف بن مالك. ثم بدأتْ مرحلةُ فتحِ إسبانيا بقيادةِ طارقِ بن زياد وموسى بن نُصير برّاً وبحراً. وقد اجتازَ الجبلَ الذي عُرف باسمه «جبل طارق» المعروف سابقاً باسم (Mons Calpe) وهي تسميةٌ فينيقيةٌ تعني «الجبل المجوّف» سنة 92ه‍.

وكانت المعركةُ الفاصلة بين المسلمين والإسبان هي معركة «كورة شدونة»  (من 28 رمضان إلى 5 شوال سنة 92ه‍/ 91ـ 26 تموز (يوليه) 711م) وانتهت بانتصارِ المسلمين على ملِكِ إسبانيا القوطي رودريك (لذريق) (Rodrigo). ثم تكررّت المعاركُ بين المسلمين والإسبان في مختلفِ المناطق الإسلامية حتى انتهى الأمرُ إلى قيامِ حكمٍ إسلامي في إسبانيا.

استطاع العربُ خلالَ حكمِهم لإسبانيا أن يمزجوها في بوتَقةِ الحضارةِ العربيةِ والإسلامية، فهذه العناصر «تأسلمت» أو «تعرَّبت» أو كما يقال «تأندلُست».

 استقرَّ حُكمُ الإسلامِ في شبه الجزيرة الإيبيريَّة ثمانيةَ قرون، منذ فَتْحِها ـ بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نُصَيْر وآخرين ـ سنة 92ه‍ (711م) حتى سقوطِ غرناطة سنة 897ه‍ (1492م). ومرّتْ الأندلس في هذه القرون بعدة عهود، تقلَّبت خلالَها بين الضَّعفِ والقوّةِ وبينَ النصرِ والهزيمة. ويمكنُ إجمالُ هذه العهود، التي كان لكلٍ منها طابعٌ مميَّز، على النحو التالي:

عهدُ الفتحِ الذي استمرَ حوالي أربعَ سنوات (من 92ـ 95ه‍/ 711ـ 714م).

 2ـ عهدُ الولاة: (من 95ـ 138ه‍/ 714ـ 755م) ويعتبِرُ بعضُ المؤرخين مدةَ الفتحِ داخلةً في هذا العهد، الذي ينتهي بمجيءِ عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس سنة 138ه‍/ 755م. وقد حكمَ الأندلس في هذا العهد ـ الذي استمرَ حوالي 42 سنة ـ عشرون والياً تقريباً، كانوا تابعين للخلافةِ في دمشق مباشرةً أو بواسطةِ ولاية الشَّمال الإفريقي (إفريقية والمغرب).

 3ـ عهد الإمارة: (من 138ـ 316ه‍/ 755ـ 929م) ويبدأُ منذ مجيءِ عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس حتى إعلان الخلافة من قِبَل عبد الرحمن الناصر (الثالث) سنة 316ه‍/ 929م، وقد أسسَ عبد الرحمن الداخل إمارةً مستقلةً عن الخلافة العباسية، استمرت مائة وثمان وسبعين سنة.

 4ـ عهدُ الخلافة: (من 316 ـ 422ه‍/ 929ـ 1031م) ويبدأُ عهدُ الخلافة منذ إعلانِ الخلافة في الأندلس من قِبل عهدِ عبدِ الرحمن الناصر لدين الله (الثالث) (سنة 316ه‍/ 929م) إلى سقوطِ الدولةِ الأموية في الأندلس وقد تخلّلها دولة بني حمود، ومن ثَمَّ قامت دولة بني أميّة الثانية وكان أوّلَ من حَكمَها المستظهر بالله عبدُ الرحمن هشام بن عبد الجبار بن الناصر، وآخِرَ من حكمها هشام المؤيَّد. وانتهى الأمرُ في سنة 422ه‍/ 1031 بعزلِ هشام الثالث المؤيَّد آخرِ الخلفاء الأمويين، وإلغاءِ الخلافةِ نِهائياً عن الأندلس.

 5ـ عهدُ ملوكِ الطوائف: يبدأُ هذا العهدُ بسقوطِ الدولةِ الأمويةِ في الأندلس وتفكُّكِ الدولةِ إلى دويلاتٍ سياسيةٍ وطائفيةٍ متنازعة. وينتهي بدخولِ المرابطين من المغربِ إلى الأندلس بقيادةِ يوسف بن تاشفين وانتصارِهم على الإسبان في معركةِ الزلاّقة سنة 1086م. ويمتدُّ هذا العصرُ من (422ـ 479ه‍/ 1031ـ 1086م).

 6ـ عهدُ المغاربة: وفيه تحولَّت الأندلس إلى ولايةٍ تابعةٍ للمغربِ في عصرَي المرابطين والموحِّدين. وكانت عاصمتُهم مدينةَ مراكِش في جَنوبي المغرب. وانتهى هذا العصرُ ب‍هزيمة دولة الموحدين أمامَ الجيوشِ المسيحيةِ الأوروبية المتحالِفة في موقعة العِقابِ سنة 609ه‍ / 1212م ويمتدُّ هذا العصرُ من (479ـ 612ه‍/ 1086ـ 1214م). ويمكن اعتبارُهما عهدين مستقلين.

 7ـ مملكةُ غرناطة (عصر بني الأحمر): وهو آخرُ عهدٍ إسلامي في الأندلس، حيثُ تقومُ دولةُ بني الأحمر وتستمرُّ ما يزيدُ على قرنين ونصف، حتى نِهايةِ القرنِ التاسِعِ الهجري (الخامس عشر الميلادي). ويمتدُّ من 1231م إلى 1492م وهي السَّنةُ التي سقطتْ فيها غرناطة بأيدي الإسبان. ويمثلُ سقوطُها نِهايةَ الحكمِ الإسلامي للأندلس وذهابَ سلطانِ المسلمين السياسي منها.

 كان الفتحُ الإسلامي حدثاً تاريخياً، وإنّ كل شيءٍ في إسبانيا قد تغيَّرَ تغيُّراً كُلياً بعدَ الفتح، فقد كانت أسبانيا قبلَ الفتحِ الإسلامي لها، في أوائل القرنِ الثامنِ كسائرِ بلادِ الغرب الأوروبي المعاصرِ يخيِّمُ عليها الجهلُ والتأخُّرُ والفوضى. فحلَّ الاستقرارُ محلَّ الفوضى، والحكومةُ المركزيَّةُ القويةُ قد حلّت محلَ النظامِ الإقطاعي، فنقلوها إلى مرحلةِ استقرارٍ وإنشاء، حتى أصبحت الأندلس أغنى البلادِ الأوروبيةِ وأكثرَها ازدحاماً بالسكان.