التركيب الإجتماعي للأندلس

د. سهى بعيون

1 /5/ 2014

 

كلمة أندلسيين تشمل بنظر المؤرخين المسلمين جميع السكان الخاضعين للإدارة الإسلامية في شبه الجزيرة على اختلافهم الكبير في الأجناس والعناصر وتباين الأصول التي جاءوا منها إلى هذه البلاد من الخارج، وعلى أهل البلاد الأصليين سواء اعتنقوا الإسلام أم لم يعتنقوه ممن كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي. ولهذا التكوين المعقد للشعب الأندلسي آثار هامة من جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية.

 

فقد تعددت عناصر السكان في أسبانيا الإسلامية تبعاً لأصولها البشرية وأديان‍ها وثقافتها. إلاّ أنّ الامتزاج بين العناصر المختلفة المكونة لهذا المجتمع كان مستمراً بفضل السياسة التي اتبعها الفاتحون المسلمون حتى أصبحت لفظة أندلسيين في أواخر القرن الرابع وما بعده تشمل شعباً له صفاته ومميزاته.

من الواضح أنّ العنصرين الرئيسين الذين دخلا شبه جزيرة إيبيرية في أثناء الفتح وبعده هما العرب والبربر. ومن المؤكد أنّ هؤلاء الجنود استقروا في البلاد التي فتحوها ولم يعودوا إلى أوطانِهم، بل إنّ قسماً كبيراً منهم تزوج بنساء من أهل البلاد، فقرروا بذلك ارتباطهم بالأرض الجديدة وركزوا أقدامهم فيها.

وقد استمرت الهجرة من شمال إفريقية ومن الشرق إلى شبه الجزيرة دون انقطاع. فخصبت البلاد وثراؤها جذب كثيراً من سكان المغرب الأقصى، فتركوا بلادهم ليتخذوا من البلد المفتوح وطناً لهم، إلاّ أنّ هجرة العرب كانت مستمرة أيضاً. ثم كان دخول بلج بن بشر القشيري (توفي سنة 124ه‍/ 742م)  على رأس بضعة آلاف من الشخصيات العربية قدروا بحوالي سبعة آلاف في سنة 123ه‍ (741م) إثر ثورة قام بِها البربر في شبه الجزيرة.

وقد ازدادت الهجرة ازدياداً واضحاً بعد أن عبر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الملقب بالداخل في ربيع الثاني من عام 138ه‍ (755م)، واستطاع انتزاع السلطة وتَهدئة البلاد وتكوين إمارة ثابتة، فقد دعا هو نفسه كثيراً  من بربر شمال إفريقية لزيادة قوة جيشه وتثبيت سلطانه، كما  التحق به دون شك كثير من المتذمرين من سلطان العباسيين في المشرق والهاربين من اضطهادهم، لا سيما من تبقى من بني أمية وأتباعهم.

وإلى جانب العرب والبربر، كان هنالك سكان البلاد الأصليّون، اختار فيه قسم كبير منهم اعتناق الإسلام، سواء أكان ذلك عن قناعة وصدق أم بحكم مصالحهم الجانبية، وأطلق عليهم أولاً اسم »المسالمة«، وعلى الذين نشأوا في ظل الإسلام وربّوا بتربيته اسم »المولّدين«. وكان المولّدون في زمن الإمارة الأموية يكوّنون القسم الأهم من السكان في قرطبة، ولكن اعتناق الإسلام كان يجري بكثرة واستمرار لا سيما في خلال حكم عبد الرحمن الثاني.

وقد أصبحت العلاقات بين المسلمين الجدد والقدماء وثيقة بمرور الأيام نتيجة الاختلاط والتزاوج، وقد كان لهذا التمازج دون شك أثره الكبير في التكوين العنصري للمجتمع الأندلسي.

وكانت تعيش مع المسلمين في الأندلس فئات غير إسلامية من: اليهود، والمسيحيين الذين يمثّلون غالبية غير المسلمين في الأندلس. وكانوا خليطاً من القوط والرومان والأسبان أهل البلاد الأصليين الذين يُسمّون أيضاً بالإيبيريين. كما كانت هناك قلّة من جماعات وثنية لعلّها ذابت فيما بعد أو تحوّلت إلى الإسلام.

كان في المجتمع الأندلسي قسم كبير من غير المسلمين أكثرهم من النصارى الذين كانوا يسكنون البلاد. الذين بقوا على الدين المسيحي وهم الذين كان يطلق عليهم اسم العجم أو المستعربون (موزاراب Mozarabes).

وقد احترم المسلمون دائماً نصوص الاتفاقات التي عقدوها مع المسيحيين عند فتحهم للبلاد. وكانت للمسيحيين حقوق كثيرة في إدارة شؤون‍هم وفضّ المنازعات التي تحدث بينهم أمام قضاة منهم.

وإلى جانب المسيحيين كان اليهود وكانت لهم أيضاً مؤسسات‍هم الإدارية والقضائية التي تعنى بفض مشاكلهم الداخلية ومنازعات‍هم الخاصة، كما كان لهم ـ شأن‍هم في ذلك شأن النصارى ـ حق إقامة شعائرهم الدينية، بل إنّ المعاملة الحسنة التي كانوا يتمتعون بِها في الأندلس جذبت كثيراً من اليهود الشرقيين إلى هذه البلاد.

وبالإضافة إلى هذه العناصر التي ذكرناها من السكان، فقد ظهر، ولا سيما في القرن العاشر، عنصر جديد من الموالي وكثر عددهم، حتى أنّ عددهم تجاوز ثلاثة عشر ألفاً في قرطبة فقط، وقد لعبوا دوراً مهماً في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) وكان يطلق عليهم اسم الصقالبة ويبدو أنّ أصولهم كانت من الأسرى الذين يؤتى بِهم من الشمال، وقد كوّن منهم الخلفاء في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) حرساً خاصاً يعتمدون عليه كل الاعتماد، كما وصل قسم منهم إلى رتب رفيعة في الجيش ساعدهم على القيام بالدور المهم الذي قاموا به.

هذه هي العناصر والفئات التي كونت المجتمع الأندلسي. وكان لكل من هذه العناصر أثره في تلك الحضارة التي لم تنطفئ جذوت‍ها بانقراض الدولة العربية الإسلامية بالأندلس، بل ظلت متّقدة في نفوس صانعيها والمتأثرين بِها قروناً عدّة.