الأحوالِ السياسيةِ في إسبانيا قبلَ الفتحِ العربي

د. سهى بعيون

1 /12/ 2013

 

يشكلُ الآيبيريون Iberians، الذين جاؤوا من إفريقية، أساسَ جنسِ البحرِ المتوسطِ من السكان. ولقد عبَر الكلت Celts، والأقوامُ الهندو ـ أوروبية Indo-European جبالَ ألبرت Pyrenees، واستوطنوا في الأجزاءِ الشماليةِ والغربيةِ من شبهِ الجزيرة. كما أسسَ الفينيقيونَ مستعمراتٍ على السواحلِ الشرقيةِ والجنوبية. وأخيراً وبعد صراعٍ طويلٍ من أجلِ السيادةِ والتفوقِ سيطرَ الرومان على إسبانيا، ولكن سرعانَ ما جُوب‍هوا من قِبلِ السكانِ المحليين، ولم يستطعْ الرومان إخضاعَ كلِ القبائلِ في شبهِ الجزيرةِ إلاّ في عهدِ الإمبراطور أوغسطس (27 ق.م ـ 14م).

 

وبرُغمِ سيادةِ الرومان على إسبانيا لفترةٍ طويلة، فإنَّ الظواهرَ الحقيقيةَ لانحطاطِ سُلطتِهم فيها بدَتْ بوضوحٍ منذُ بدايةِ القرنِ الخامسِ الميلادي، وذلكَ عندما ابتدأتْ القبائلُ الجِرمانيةُ البربريةُ بالاستيطانِ في شبهِ الجزيرة. وكان استيطانُ الوندال Vandals، والآلان Alani، والسويفي Suevi، في إسبانيا عام 408م احتلالاً مدمراً، أدّى إلى نشرِ الخرابِ في كل أنحاءِ البلاد.

 

ونتيجةً للحروبِ الكثيرةِ التي قامت بين هذه القبائلِ الجرمانيةِ وبين القوطِ الغربيين، الذين كانوا يسكنون في تلك الفترةِ في غالة Gaul جَنوب فرنسا، تحطمتْ قوةُ الآلان، والوندال الذين اضطروا إلى العبورِ إلى شَمال إفريقية في عام 429م. ثم تمكَّن القوطُ أخيراً من السيطرةِ على إسبانيا والتغلُّبِ على مملكةِ السويفي التي كانت ما تزالُ موجودةً في الشَّمالِ الغربي من البلاد، وذلك في عهد الملك ليوفيخلد ( 568ـ 586م).

 

ولقد تمّتْ عمليةُ استيطانِ القوطِ الغربيين في إسبانيا في أواخرِ القرنِ الخامسِ وأوائلِ القرنِ السادسِ للميلاد. وكانوا يمثلونَ أقليّةً صغيرةً فقط ضِمن السكان الأصليين. ولا تتوفرُ معلوماتٌ إحصائيةٌ عنهم في هذا العصر. ولقد استوطنَ القوطُ في مناطقِ الأريافِ والمدنِ على حدٍّ سواء.

 

استبدَّ القوطُ بالحُكْمِ، ولا سيما قُبيْلَ الفتحِ الإسلامي. وبسوءِ سياستِهم ساءتْ حالةُ إسبانيا. كانت إسبانيا تشكو الاضطرابَ والفسادَ الاجتماعي، والتأخُّرَ الاقتصادي وعدمَ الاستقرارِ؛ نتيجةَ السياسةِ ونظامِ المجتمعِ السائد. فالفوضى منتشرة، وكثير من الناس يعيشون في شقاءِ لسوءِ الأحوالِ المعيشية، ولسياسةِ الاستغلال.

 

هكذا كانت حالةُ البلادِ قبلَ الفتحِ الإسلامي يخيِّمُ عليها الجهلُ والتأخُّرُ والفوضى، ثم جاء الإسلامُ إلى الأندلس فحلَّ الاستقرارُ محلَّ الفوضى، فكان الفتحُ الإسلامي للأندلس حدثاً حضارياً وإعلاناً عن حياةٍ جديدة، حلَّت تلك الأرض.