اهتمام الأندلسيين بالعلوم

د. سهى بعيون

1 / 5/ 2013

 

وُضع سلطان العلم وعظمة العلماء منذ بداية الفتح الإسلامي للأندلس. فقد عمل العرب بعد انتهاء فتوحات‍هم في شبه جزيرة أيبيريا على صبغ هذه البلاد بالصبغة العربية. وانصرف العرب بعد فتح الأندلس إلى الاهتمام بالعلوم والآداب والفنون.

 

إنّ المجتمع الأندلسي، مجتمع مسلم، نشأ محباً للعلم وأهله، وفطر أبناؤه على ذلك، لأنّ العلم فرض في العقيدة الإسلامية على كل مسلم ومسلمة، ولا يمكن أن يكون المسلم غير متعلّم أو مثقّف، وإنَّ محبة العلم كانت عامة يقدرها الناس ويحثون عليه.

 

لقد كان العلم فريضة على كل أندلسي أميراً كان أو مأموراً، ومن ثَمّ فإنّه لم يعتل عرش الأندلس، ولم يتول أمر ناحية منها في أيام التفتت إلاّ أمير أو ملك له مشاركة فعّالة في علوم زمانه الدينية والدنيوية. فقد كان العلم شرطاً لمركزهم، بل وضع الكثير منهم في مصاف العلماء الكبار الذين لهم مؤلفات أو يقيم العلماء لآرائهم وزناً، وذلك في كل ميدان.

 

وكان العلم منتشراً في الأندلس، وأصبحت الأندلس في مقدمة البلاد التي كان لها أثر رائع في حضارة العلوم. وكان الأندلسيون يسارعون في اكتساب المعارف والعلوم المختلفة. وكانت أهم العلوم التي يقبل عليها الأندلسيون الفقه والحديث وعلم الأصول والقراءات والنحو وعلوم اللغة.

 

وامتاز الأندلسيون بالسرعة الغريبة في تلقف علوم العالم القديم، من فلسفة وتاريخ وحساب وجبر وهندسة وفلك وعلوم طبيعية. وظهر في الأندلس عدد لا حصر له من العلماء والأطباء والنباتيين والفلاسفة ومختلف أنواع العلوم. وقد طبع الفكر الإسلامي أهالي هذه البلاد بطابعه الخاص.

 

وترجم الأندلسيون كتب اليونان واللاتين، فكان لهم من ذلك حظ لا يقل كثيراً عن حظ خلفاء العباسيين في الشرق. وتفردوا خاصة بعلم النبات، نشروه في مدارس لهم كثيرة، منها مدارس قرطبة وطُليْطلة وإشبيلية.

 

وكانت عناية أهل الأندلس بنشر العلم تفوق كل ما يتصوره العقل البشري؛ فكانوا إذا فتحوا بلداً أو مدينة أخذوا بإنشاء مسجد ومدرسة، وكأنّهم يقصدون بذلك أنّ نشر الدين والعلم لازم لتهذيب الأمم وتثقيفها. وقد انتشرت المدارس في مدن الأندلس ومعظم قراها، أما المدارس الكبرى التي يصحّ أن تسمى بالجامعات فكانت موزّعة على بعض المدن الأندلسية، وفي طليعتها قرطبة وإشبيلية والمرية وغرناطة، وكذلك المساجد؛ فقد جعلوها أماكن للعبادة وجامعات للعلم، فكانت الإشعاع الأول لحضارتِهم.

 

والحق أنّ الأندلسيين كانوا يتمتعون بميل ورغبة شديدة نحو العلم والمعرفة. وكان الرجل ينفق كل ما عنده من مال حتى يتعلم، ومتى عرف بالعلم أصبح في مقام التكريم والإجلال ويشير الناس إليه بالبنان وينبه قدره ويعلو ذكره بين الخاصة والعامة.

 

وفاض نور العلم على الرجال والنساء، ولقد كانت الأندلس في عهد بني أمية إلى عهد الموحدين سعيدةً بالكثرة من الملوك الذين كانت لهم مشاركة في العلوم والفنون.