مكانة الفقهاء في الأندلس

د. سهى بعيون

1 / 7/ 2013

 

 

أجلّ الأندلسيون العلماء والفقهاء ورجال الأدب، وكان لهؤلاء القيادة والريادة في المجتمع الأندلسي. وقد تَهيّأت لهم تلك المكانة عند الرؤساء والخاصة. فممن علت منازلهم وسمت شخصيات‍هم الفقهاء.     

 

كانت كلمة عالم تنصرف عادة إلى الفقهاء. وكان الفقيه في المجتمع الأندلسي يتمتع بتوقير الناس واحترامهم فيكرم في معاملته وحياته الخاصة والعامة، وبلغ من سمو منزلة الفقيه وتألّق مكانته أنّ صفته كانت تطلق على النحوي واللغوي، لأنّها أرفع السمات وأرقى الصفات العلمية لدى الناس.   

 

حتى إنّ المسلمين كانوا يسمون الأمير العظيم الذي يجلونه بالفقيه، ومعنى ذلك أنّه كان على الأمراء أنفسهم أن يتفقهوا في علوم الدين حتى يجمعوا على الاحترام الرسمي الذي يحصلون عليه بحكم كون‍هم أمراء وبين الإكبار الاجتماعي الذي يكتسبونه باعتبارهم فقهاء.

 

ولقد حرص كل أمير من أمراء الأندلس على مختلف الأزمنة وتباين الدول على أن يكون مستوى من الثقافة الدينية تسمح له بمجالسة الفقهاء الذين كانوا في العادة زينة مجالس الأمراء ومستشاريهم، وكانت ثقافة هؤلاء الملوك والأمراء تدفع ب‍هم على الأغلب إلى احترام العلماء وإجلالهم ووضعهم الموضع الكريم الذي يليق بِهم.  

 

فقد كان للفقهاء منزلة ومكانة بين ذوي الشأن. وكانوا لا يهتمون في سبيل الحق لومة لائم، ولا يتقاعسون عن نصح الملك إذا أخطأ وزجره إذا انحرف مع اعتزاز بسلطان العلم واستمساك به وعدم تفريط فيه.  

 

فقد كان الفقهاء يغبطون على منزلتهم العالية ويحسدون من أجلها، وكانوا أقرب إلى نفوس العامة، بما يقدمون من خدمة الشريعة، وهم بطبيعة عملهم ألصق بالعامة وأكثر اختلاطاً بِهم. 

تلك كانت مكانة الفقهاء في الأندلس، احترموا علمهم ولم يبخلوا به على الناس فأحبهم الناس وكانوا لهم درعاً ضد العدوان، واحترموا أنفسهم بالابتعاد عن صغائر الأمور، وترفعوا عن كل ما من شأنه أن ينال من مروءتِهم فانصاع لهم الطغاة من الحكام وخضع لأمرهم الجبابرة من الملوك.