اهتمام الأندلسيين بالكتاب

د. سهى بعيون

  1 / 8 / 2013

 

 

أنشأ الأندلسيون في كل ناحية من نواحي بلدهم المكتبات والمختبرات والمدارس الكبرى التي ظلّت وحدها ملجأ الثقافة في أوروبا زمناً طويلاً، ويدرسون بنجاح العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والطبية والكيماوية.

فقد كان العلم مزدهراً في الأندلس والاهتمام بكل الوسائل والأسباب المؤدية للعلم والمعرفة. وإنّ الكتاب يمثل وسيلة مهمة من وسائل العلم والمعرفة، فنال الكتاب كثيراً من الاهتمام والعناية من قِبل الأندلسيين. من هنا غدت الأندلس سوقاً للكتب كبيرة راجت بضاعتها وازدهرت صناعتها، حتى الخلفاء والأمراء وأصحاب المراكز الأخرى كانوا بذلك يفتخرون، كيف لا وإنّ العلم شرط لمركزهم.

 

استقبلت الأندلس كل ما أرادت من المشرق، وذلك بواسطة تجّار الكتب وبواسطة الأمراء الذين كانوا يريدون أن يزهروا دولتهم، بنقل كتب المشرق إلى مكاتبهم ثم إباحتها للجماهير، وبالحج وما كان يكثر التلاقي فيه والحديث عن الأدب والعلم والكتب وتبادل كل ذلك. ثم بسرعة الانتقالات وسهولتها، فكانت رقعة العالم الإسلامي كوادي النمل، كل يوم تجد من يجيء ومن يروح. ولذلك كان العالم الإسلامي كله كأنه قطر واحد لا أقطار متعددة.

وكان العرب في الأندلس يبعثون السفارات لاستجلاب الكتب القيّمة ما بين إغريقية ولاتينية، ويقيمون المراصد لدراسة الفلك، ويقومون بالرحلات ليستزيدوا من العلم بالتاريخ الطبيعي وينشئون المدارس لتدرس فيها العلوم بشتى صنوفها.

 

وفاض النور على الرجال والنساء، حتى أصبحت قرطبة مدة ثلاثة قرون أكثر مدن العالم القديم نوراً. وكانت حضرة ملوكها وقصور خلفائها، لكثرة عنايتهم بالعلم، وحرصهم على استجلاب العلماء إليها من كل فج وصوب، أشبه بمجامع علمية، وقاعات خزائن كتبهم كأنّها دور حكمة، فيها معامل كبيرة خصت بالنساخين والمجلدين والمذهبين والنقاشين. ومن خزائنهم ما كانت جرائد أسمائهم تستغرق عشرات من المجلدات.

 

الحق أنّ الأندلس كانت كمحطات الإذاعة الرئيسية، فيها آلات للاستقبال وآلات للإذاعة. فكان العرب في الأندلس يبعثون السفارات لاستجلاب الكتب القيّمة ما بين إغريقية ولاتينية، ويقيمون المراصد لدراسة الفلك، ويقومون بالرحلات ليستزيدوا من العلم بالتاريخ الطبيعي وينشئون المدارس لتدرّس فيها العلوم بشتى أصنافها. وأنشأ الأندلسيون في كل ناحية المدارس وخزائن الكتب، وأقاموا في العواصم الجامعات. ونشأ بِها شخصيات عظيمة سامية من شعراء ومؤرخين وفلاسفة، وكان لما نقلته من العلوم عن السريانية واليونانية، ثم نقل إلى اللاتينية أعظم أثر معين قاطع وسريع.

 

والخلاصة أنّ أعمال العلماء العرب في الأندلس تشهد لهم بطول الباع، والصبر على التجارب والقدرة على إجرائها، والاستنباط منها. فقد ابتكروا وترجموا وعرّبوا واستعملوا كثيراً من الصيغ والتعريفات والمدلولات العلمية. كما أشير إلى أنّ مؤلفات‍هم ترجمت عدّة مرات إلى اللغة اللاتينية، وكانت المراجع المعتمدة في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر.