رحلة البحث عن صديق صالح

كلّ منّا يبحث عن صديق يستأنس به، ويقاسمه فرحه، ويتقاسم معه همومه وأحزانه. ينصحه إذا احتاج إلى النصح، ويستشيره في أمره. يستأمنه على أسراره وطموحه وأحلامه، ويهوِّن عليه الصعاب ويفتح له باب الرجاء.

 يشعر الإنسان بالراحة النفسية في وجود صديق. إن الصداقة من الأمور المهمة في حياة الإنسان. توفّر الصداقة الأنس والاطمئنان النفسي، والشعور بالأمان، والإفصاح عن بعض المشاكل والهموم.

 

الصداقة تعتبر رئة ثانية يتنفس بها الإنسان، ولذلك هي تشبع حاجته إلى الشكوى من ألم، يقول الشاعر:

فلا بد من شكوى إلى ذي مروءة     يُسْليك أو يُنسيك أو يتوجع

 

للصداقة أهمية في حياة الإنسان، إن الصداقة من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق؛ فإن كانت صحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صحبة أشرار فمن المؤكد أنّها ستترك بصماتها. "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت"، فالصديق مرآة لصديقه.

 

الصديق الصالح سيعينني ويأخذ بيدي نحو برّ الأمان، هو عنوان الفلاح، وهو سبب للورود على باب الجنّة أو سبب الصدّ عنه. وصديق السوء سيشدّني نحو الهاوية حتى ولو تحصّنت بأخلاقي، كما يقولون "الصاحب ساحب". فلا شك أنّ هناك أثراً تربوياً واجتماعياً ونفسياً للأصحاب.

الصديق الصالح هو عنوان السعادة؛ في الدنيا يذكرني إذا نسيت، ويعلمني إذا جهلت، ويعينني إذا أطعت، ويأخذ بيدي إلى كل خير. فإن كان الصاحب صالحاً فلا بد أن يؤثر في مسلكي. لذلك علينا أن نختار الصديق بعناية، لكي تكون هذه الصداقة عوناً لنا تساعدنا على الخير. لذلك حذّر الإسلام المسلمين على سوء اختيار الصحبة وبالذات رفقاء السوء، وحثّ المسلمين على اختيار الصحبة الصالحة والارتباط بأصدقاء الخير، الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.

قال الله تعالى: ﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ (سورة الزخرف: آية 67)

وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لقَدْ أَضَلَّنِي عن الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي﴾ (سورة الفرقان، آية 27-29)

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحاملِ المسك ونافخ الكير؛ فحاملُ المِسْكِ إما أن يُحْذيَكَ وإما أن تبتاعَ منه وإمّا أن تجد منه ريحاً طيّبة، ونافِخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة».[متفق عليه]

 

شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق الصالح كحامل المسك يصيبك بريحه الطيبة لما يحمله من أخلاق فاضلة، يأمرك بالمعروف وينهاك عن المنكر، بينما رفيق السوء لا يأمرك إلاّ بالمنكر، ولا ينهاك إلاّ عن معروف، وإنّه يعلم ما توسوس به نفسك وهو أقرب إليك من حبل الوريد.

 

فالواجب اختيار الصديق وفق معيار التديّن والأخلاق الذي يقرّبك إلى الله تعالى، ويكون عوناً لك على الطاعة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلاّ مؤمناًً، ولا يأكل طعامك إلاّ تقي". ومن هنا علينا أن نضع معيار الإيمان في أول معايير اختيار الصداقة.

 

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تصاحب الفاجر فإنّه يزيّن لك فعله ويودّ لو أنّك مثله".

وقال مالك بن دينار: "إنّك إن تنقل الأحجار مع الأبرار، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار". وأنشد:

وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا     وصاحب شرار الناس يوما فتندما

 

وهناك صفات أساسية تحدد صفات الصديق الصالح، أهمها الأمانة والصدق، والوفاء، والإخلاص، بالإضافة إلى الالتزام الخلقي.

 

تتطلب رحلة البحث عن صديق صالح وفيّ وصادق ومخلص وقتاً طويلاً، فليس الأمر هيّناً، بل يحتاج إلى تريث. الصديق الحقيقي الصالح كنز، وهو عنوان السعادة؛ إذا وجدته حافظ عليه. نسأل الله تعالى أن يوفقنا بصحبة صالحة تدلّنا على الخير، وتُعينُنا على الطاعات.

 د. سهى بعيون