فضل العلم والعلماء

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، وبعد، فقد أوجد الإسلام دوافعاً للتقدم والمدنية، إذ سما بالإنسانية، ورفع من كرامة الفرد والمجتمع. وهناك علاقة قوية بين الإسلام والعلم، فقد اعتنى الإسلام بالمعرفة، ورسم قواعد ومناهج في سبيل تحصيل المعرفة واكتسابِها والاستزادة من العلم.
عندما ظهر الإسلام، كان من أهم ما دعا إليه القرآن الكريم طلب العلم والعمل على تحصيله.
قال الله تعالى: ]شَهِد الله أنَّه لا إله إلاَّ هو والملائِكةُ وأولُو العِلْمِ قائماً بالقِسْطِ[(سورة آل عمران، آية 18)، وقال الله تعالى:]يَرْفَعِ اللهُ الَّذينَ آمنوا منكم وَالَّذينَ أُوتوا العِلْمَ درجاتٍ واللهُ بما تَعْملون خبير[(سورة المجادلة، آية 11). وقال عزّ وجلّ: [قُلْ هَلْ يسْتوي الذينَ يَعْلَمونَ والذينَ لا يَعْلَمونَ] (سورة الزمر، آية 9)، وقال تعالى: [وتلك الأمْثالُ نَضْرِبُها للنَّاسِ وما يَعْقِلُها إلاّ العالِمون] (سورة العنكبوت، آية 43)، إلى غير ذلك من الآيات التي تبيّن فضل العلم والعلماء.
وبيّنت الأحاديث النبوية فضل العلم والعلماء، وحثَّت على العلم والتعليم، والسعي في طلب العلم وتحصيله، واستوصت بِطلبة العلم خيراً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طريقاً يَطْلُبُ فيه عِلْماً سَلَكَ الله به طريقاً مِنْ طُرُقِ الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها رِضاً لِطالبِ العِلْمِ، وإنَّ العالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ والأرضِ والحيتانِ في جَوْفِ الماءِ، وإنَّ فَضْلِ العالِمَ على العابِدَ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ على سائِرِ الكواكِبِ، وإنَّ العُلماءَ ورَثَةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لَمْ يُوَرِّثوا ديناراً ولا دِرهماً، وَرَّثوا العِلْمَ، فَمَنْ أخذَهُ أخذَ بِحظٍّ وافِرٍ» (سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، ج 2، ص523، حديث رقم (3641) ) .
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يَرْجِعَ» (سنن الترمذي، كتاب العلم، فضل طلب العلم، ج5، ص 29، حديث رقم (2647) ).
وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يتعلم الصحابة القراءة والكتابة. ولم يختص الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال بالعلم والتعليم، بل إنّه كان يحرص على أن يكون حظ المرأة من ذلك موفوراً. وكان الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم يحث الرجال على أن يعلموا أهلهم وذويهم.
 
 ألقت أفكار الرسول صلى الله عليه وسلم وتعاليمه بذورها في تربة خصبة فأنتجت جماعة من أعظم الرجال قدراً، فكانوا الحفظة على نصوص القرآن المقدّسة. وهم وحدهم الذين وعوها عن ظهر قلب، وهم الحراس المتحمسون لحفظ كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ووصايا. ولقد تألفت من هؤلاء جماعة الإسلام المبجلة الذين انبثقت منهم يوماً طبقة الأجلاء من أوائل الفقهاء والأصوليين والمحدثين في المجتمع الإسلامي.
 
وإنّ الإسلام وسّع قاعدة الاهتمام العلمي في شتى حقول المعرفة وليس في علوم الدين فقط. فقد كان علماء المسلمين يرتحلون في طلب العلم إلى مراكز العلم في الدولة الإسلامية من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً. فكان لموقف الإسلام من العلم والحث على طلبه وتحصيله أثر في اهتمام المسلمين بالرحلات العلمية. وإن التاريخ خلد للعرب صحائف مشرقة في رعاية العلم والعلماء، حتى لقد كان النشاط العلمي يواكب المسلمين في كل صقع نزلوه، فالعلوم جزء أساسي من الحضارة.
 
د. سهى بعيون