دور المرأة في تنشئة الأسرة

 تعدُّ الأسرة مؤسسة تربوية ومن أهم المؤسسات التربوية بالمجتمع، وتتأتّى هذه الأهمية الكبيرة للأسرة من دورها الاجتماعي التربوي الذي تمارسه مع أفرادها، وخصوصاً أنها أول المؤسسات التربوية التي تتعامل مع الفرد بعد ولادته، سيما أن هذه الفترة الأولى لميلاد الفرد البشري؛ تتسم بالعجز التام، والاعتماد الكلي على الآخرين.

الأسرة أحد المؤسسات التربوية الدائمة التي لا تنفك أبداً فلا نتصور مجتمعاً بدون أسرة. فالأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع.

وهي تؤثر كجماعة أوليّة تأثيراً أساسياً في تكوين مثاليات الفرد ومعايير سلوكه ونظرته للصواب والخطأ، والخير والشر، كما تقوم بدور عريض وعميق في تكويين الخطوط الريسية لشخصية الفرد.

وإنّ المرحلة الأولى من مراحل الطفولة هي أهم مرحلة في التربية جسمياً وخلقياً وفي تعويده أحسن العادات وأكرم الأخلاق. فعلى الأسرة يقع قسط كبير من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة.

فإن فترة الطفولة تحتاج إلى مزيد من العناية والإمداد بجميع الوسائل التي تؤدي إلى نموه الجسمي والنفسي. وإنّ العوامل النفسية المختلفة لا بدّ منها لتكوين الفرد الإنساني كالحنان والعطف، والأمن والطمأنينة فإنها لازمة لنمو الطفل النفسي، ويجب أن تتوفر له قبل كل شيء. فإنّ أثر الأسرة في تربية الأولاد عميق، فالأطفال يمثّلون بعض الحاضر وكل المستقبل.

لا شك إذن أنّ التحديات الآن كثيرة وأنّ المجالات مفتوحة، تتطلب جهداً مضاعفاً من الأسرة بكل مكوناتها، ولا سيما المرأة في كثير من الاختصاصات والالتزامات، التي تتيح لها فرصة العطاء والتوجيه والسهر على حاجيات الأسرة الاقتصادية والاجتماعية، والتربوية، في بعدها التكويني والسلوكي والنفسي خاصة إذا علمنا الدور الهام الذي تقوم به المرأة في تربية النشء، ومتابعة الأطفال في كل المراحل العمرية، لا سيما في الفترات الأولى، بل والإعداد لهم نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، بدليل أن التكوين النفسي عند الطفل يحتاج خاصة إلى عاطفة الأم بدءاً من وجوده في قراره المكين، ثم وهو رضيع، وسواء كان جنيناً أو رضيعاً فهو يتغذى في أحشاء أمه أو في حضنها غذاءه المادي والمعنوي إلى جانب ذلك يكتسب انفعالاتها من رضا وغضب وفرح وحزن وحب وكره...

تحتل الأم مكانة مهمة وأساسية في التربية. ويعد دورها في هذه المسؤولية أهم وأخطر لكونها تلازم الطفل أطول وقت من مراحل عمره. لذلك ينبغي أن تركز الأم في تربية أولادها على التربية الإيمانية والروحية والأخلاقية.

وعلى الأم أن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها، فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة. فالتعامل مع المراهق وكأنّه طفل من شأنه أن يحدّ من نمو الشخصية ويقف عثرة في سبيل الاستقلال والذاتية المميزة.

 التربية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، والأب والأم كل منهما يكمل مهمة الآخر ودوره. من واجبات الأم  تجاه أطفالها أن تتفق مع الأب على معايير السلوك، وأن يؤيد كل منهما الآخر فيما يتخذاه من قرارات نحو أولادهما. ويجب الحرص على حسن العلاقة بين الزوجين، فالحالة النفسية والاستقرار لها أثرها على الأطفال، فالزوجة التي لا تشعر بالارتياح مع زوجها لا بد أن يظهر أثر ذلك على رعايتها لأطفالها واهتمامها بهم.

والواجب إفشاء روح التديّن داخل البيت، فالطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها. والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس إلا.

فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم عـلـى حـســــن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من الجوار الـصـالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار.

على المرأة أن تتعاون مع الزوج في تربية أبنائهما الذكور والإناث تربية صحيحة تعينهم على طاعة الله تعالى، وتهيؤهم للقيام بالدور الإصلاحي في مجتمعهم، وهكذا تتأسس باجتماعهما أسرة مسلمة تحمل هذا الهم وتدعو للقيام به .فالأولاد هم جيل الغد الذين تقع على عاتقهم مسؤولية بناء الغد المشرق.

المرأة هي العمود الفقري لهذه الأسرة، وكما قيل: وراء كل عظيم امرأة تربّى في حجرها. فالمرأة تشكل حجر الزاوية في البناء الأسري، فالمحيط الأسري يُدار من قبل المرأة الأم، فتأثيرها في البناء سيكون أكثر حجماً وقوة.

 د. سهى بعيون