من صبر ظفر

الصبر ضرورة لازمة للإنسان ليرقى مادياً ومعنوياً، ويسعد في الدنيا والآخرة. فلا نجاح في الدنيا، ولا فلاح في الآخرة إلاّ بالصبر. ولا ينتصر دين، ولا تنهض دنيا إلاّ بالصبر. ولا تتحقّق الآمال إلاّ بالصبر، فمن صبر ظفر. وبدون الصبر لا يتمّ عمل ولا يتحقّق أمل. ولا سبيل إلى اجتياز الطريق الموصل إلى العُلا والمجد إلاّ بالصبر.
 
إنّ الصبر من أرفع مقامات الدين، ومن أعظم أخلاق المؤمنين، فقد جعله الله تعالى في القرآن الكريم مفتاح كل خير، وباب كل سعادة في الدنيا والآخرة.
وقد رتّب القرآن الكريم خيرات الدنيا والآخرة على فضيلة الصبر، فالنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وكل خير منوط بالصبر. ومن هذه الخيرات معيّة الله تعالى للصابرين: «إنَّ اللهَ مَعَ الصابِرين»(سورة البقرة، آية 153) ، وهي معيّة خاصة تتضمّن الحفظ والرعاية والتأييد والحماية.
وقال الله تعالى: «واصْبِرْ وما صبرُكَ إلاَّ بالله»(سورة النحل، آية 127)،وهنا تشريف للصبر، حيث أضافه تعالى إلى نفسه بعد الأمر به.
وقال تعالى: «فَصَبْرٌ جميلٌ واللهُ المُسْتَعانُ على ما تَصِفون»(سورة يوسف، آية 18)، وقال تعالى: «فاصبِر صَبْراً جميلاً» (سورة المعراج، آية 5)، فقد وصف الله تعالى الصبر بالجمال.
وقال تعالى: «يا أيُّها الذينَ آمنوا اصْبِروا وصابِروا ورابِطوا»(سورة آل عمران، آية 200)، والمعنى هنا مغالبة الأعداء في الصبر. فلا بد أن نغلبهم بصبرنا، وأن يكون صبرنا آكد وأقوى. فالصبر مع نفسك، و(المصابرة) بينك وبين عدوّك، و(المرابطة) الثبات وإعداد العدّة.
قال الإمام الغزالي: ذكر الله تعالى الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعاً، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر، وجعلها ثمرة له، وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم، فقال تعالى:«أُولئكَ عليهِم صلواتٌ من ربِّهم ورَحْمَةٌ وأُولئكَ هُمُ المُهْتَدون»(سورة البقرة، آية 157)، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين.
وقال رسول الله صلى عليه وسلم: ((الصبر نصف الإيمان)).
وروى جابر أنّه سُئلَ رسول الله صلى عليه وسلم عن الإيمان فقال:((الصبر والسماحة)).
وقال أيضاً: ((الصبر كنز من كنوز الجنة)).
وقال عمر رضي الله عنه: ((بالصبر أدركنا حسن العيش)).
وقال وادعة السهمي: اصبر على الشَّرِّ إن قَدَحَكَ، فربما أجْلى عما يُفرحك، وتحت الرَّغوة اللبنُ الصَّريح.
وقال أبان بن تغلب: سمعتُ أعرابياً يقول: من أفضل آداب الرجال أنّه إذا نزلت بأحدهم جائحةٌ استعمل الصَّبر عليها، وألهم نفْسَه الرجاء لزوالها، حتى كأنّه لصبره يُعاين الخلاص منها والعناء، توكُّلاً على الله عزّ وجلَّ، وحُسن ظنٍّ به، فمتى لزم هذه الصِّفة، لم يلبث أن يقضي الله حاجته، ويُزيل كُربته، ويُنجح طِلْبَتَه ومعه دينه وعرضه ومرؤته.
روي عن عبد الله بن مسعود: الفرج والروح في اليقين والرضا، والهمُّ والحزن في الشكِّ والسخط. وكان يقول: الصَّبور يُدرك أحمدَ الأمور.
 
مما يعين الإنسان على الصبر اليقين بإنّ نصر الله قريب، وأنّ فرجه آت لا ريب فيه، وأنّ بعد الضيق سعة، وأنّ بعد العُسر يُسراً، وأنّ ما وعد الله به المؤمنين من النصر لا بدّ أن يتحقق. وتيقّن بأنّ الفرج آت،وهذا اليقين يبعد القلق واليأس عن النفس، ويضيء الصدر بالأمل في النجاح، والثقة بالغد.
أصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، اصبر مهما أظلمت أمامك الطرقات، فإنّ النصر مع الصبر، فمن اتبّع الصبرَ، اتَّبعه النصر، فقد قال الله تعالى: «وبَشِّرِ الصَّابرينَ»(سورة البقرة، آية 155).
 
ومما يعين الإنسان على الصبر أن يستعين بالله تعالى ويلجأ إليه، ويشعر أنّه في رعايته وحمايته. ومن كان في حمى ربه فلن يُضام. وفي هذا يقول الله تعالى في خطاب المؤمنين: «وَاصْبِروا إنَّ الله مَعَ الصابرين»(سورة الأنفال، آية 46).
ومما يعين على الصبر التأمّل في سير الصابرين، وما لاقوه في طريق حياتهم من عقبات وتحدّيات.
 
قبل أن يصل الإنسان إلى النجاح غالباً ما يقابل في طريقه عقبات وتحدّيات، فإذا لم يكن صبوراً فلن يتخطّى تلك العقبات، وسيضطر للتنازل عن تحقيق أهدافه. فإنّ نجاح الإنسان في تحقيق مراده يتوقّف على ما يبذله من جهود وما يحمله من أثقال، وعلى مواجهته للصعاب والعقبات، وهذا كله يحتاج إلى صبر. الحياة ليست كلها مفروشة بالأزهار، فهي طريق تختلط فيها الأشواك بالأزهار، وتمتزج فيها الآلام بالملذات، والمحاب بالمكاره.
 
مهما واجهتك من مصاعب ومشاكل في طريق حياتك عليك بإلزام نفسك بتحقيق أحلامكَ، وكنْ مرناً وصبوراً، وانتهزْ الفرص من كل مشكلة تواجهكَ. فمن الممكن أن تكون متحمّساً ولديك طاقة كبيرة ومعلومات غزيرة، ولكن إذا لم يكن لديك الصبر الكافي فسيؤدي ذلك إلى عدم تحقيق أحلامك. اعتصم بالصبر ولا تستعجل، لكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسن عندئذ قطافها. اصبر ولا تيأس، فإنّ اليأس من أعظم عوائق الصبر. فالصبر هو أحد أسباب النجاح، ومن الأمثال السائرة: الصبر مفتاحُ الفرج.
 
د. سهى بعيون