ثمرات الرضا عن الله عز وجل

 

الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردّد في ذلك ولا معارضة.

الرضا عن الله بلسم للهموم، وإشراقة شمس وضّاءة وسط الغيوم. الرضا يُثمر السعادة والسرور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" (رواه مسلم). وبالإيمان ينشرح صدرك وتستمتع بحياتك. َ


الرضا عن الله ينشر في النفس سعادة عن الله في كل ما يقدّره، فيصير المرء كأنه يعيش في جنات النعيم. قال ابن القيم رحمه الله: "في الدنيا جنّة من لم يدخلها فلن يدخل جنة الآخرة".

 

وإن كثيراً من الهموم والضغوط النفسية سببه عدم الرضا. فالواجب علينا أن نقنع بما قسم الله لنا، كما قال تعالى: « فخُذْ ما آتيتُكَ وكُنْ مِنَ الشاكِرين» [سورة الأعراف، آية144].

 

ومن وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيّبة، ولم تعرف الهموم والأحزان إلى قلبه سبيلاً. قال تعالى: »مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أو أُنثى وهو مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّه حياةً طَيِّبَة« [سورة النحل، آية 97] . وقد فسّرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة.

 

ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر, ملأ الله صدره غنى وأمناً وقناعة. وإن الرضا يُثمر الشكر, الذي هو من أعلى مقامات الإيمان, بل هو حقيقة الإيمان.


قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل.

 

وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فقد كتب عمر الفاروق رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".


ومن وصايا لقمان عليه السلام لولده: "أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت".


وقال صفي الدين الحلي:

كُن عن همومك مُعرضاً      وكِل الأمور إلى القضا

وانعم بطول سلامة             تُسليك عمّا قد مضا

فلربما اتسع المضيق           وربما ضاق الفضا

ولرب أمر مسخط              لك في عواقبه رضا

الله يفعل ما يشاء               فلا تكن مُتعرضا

 

فلا بد هاهنا من الرضى عن الله جل جلاله، والاطمئنان إلى حكمته عز وجل، والوثوق برحمته ولطفه فهو أحكم الحاكمين.

 

وقال الشاعر:

رضيت بما قسمَ اللـه لـي       وفوّضتُ أمري إلى خالقي

كما أحسن الله فيما مضـى      كذلك يُحسن فيما بَـقِـي

 

وعن سليمان الخوّاص قال: مات ابن رجل، فحضره عمر بن عبد العزيز، فكان الرجل حسن العزاء؛ فقال رجل من القوم: هذا والله الرضا؛ فقال عمر بن عبد العزيز: أو الصبر؛ فقال سليمان: الصبر دون الرضا، الرضا: أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضياً بأي ذلك كان، والصبر: أن يكون بعد نزول المصيبة يصبر

 

وعن حاتم الأصم قال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء، فهو يتقلب في رضا الله؛ أولها: الثـقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة؛ والأشياء كلها : تتم بالمعرفة .


قال الشافعي:

دع الأيام تفعل ما تشـــاء         وطب نفسا إذا حكم القضاء

ولا تجـــزع لحادثة الليالي       فمـــا لحوادث الدنيا بقاء

وكن رجلا على الأهوال جلداً    وشيمتك السماحة والوفــاء

 

ورحم الله القائل:

دع المقادير تجري في أعنتها     ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين طرفة عين وانتباهتها         يغيّر الله من حالٍ إلي حالِ

 

إنّ الله عز وجل لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه القضاء أو سرّه. فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان في صورة المنع، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بليّة.

 

إن الله تعالى هو الحكيم العليم الذي لن يقدّر لنا إلا الخير لأنه أرحم بنا من أمهاتنا اللائي ولدتنا. اللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نُحبُّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت.

 

د. سهى بعيون