عدل عثمان بن عفّان رضي الله عنه ووصاياه

كانت سياسة عثمان رضي الله عنه تقوم على العدل بأسمى صوره كما هو ثابت صراحة من العهد الذي قطعه على نفسه عند مبايعته بالخلافة لجهة التزامه بكتاب الله وسنّة رسوله وبفعل أبي بكر وعمر، ومن مضمون كتبه التي بعث بِها إلى عمّاله في بداية عهده.
ونشير هنا إلى خطبته بعدما بويع:
 ((أمّا بعد؛ فإنّي قد حُمِّلت وقد قبلت؛ ألا وإنّي متّبع ولست بمبتدع؛ ألا وإنّ لكم عليّ بعد كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، ثلاثاً: اتباع مَن كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسَنُّ سنة أهل الخير فيما لم تسنّوا عن ملأ، والكفّ عنكم إلا فيما استوجبتم)).
 
أعلن عثمان رضي الله عنه التزامه بمبدأ العدل من خلال كتبه التي بعث بِها في بداية عهده إلى عمّاله. لمّا ولي الخلافة كتب إلى أمراء الأنصار كتاباً عامّاً صورته:
((أمّا بعدُ، فإنّ الله أمرَ الأئمّة أن يكونوا رُعاة، ولم يتقدّم إليهم أن يكونوا جُباةً، وإن صَدْر هذه الأمّة خُلِقوا رُعاة، ولم يُخلَقوا جُباة، ولَيوشِكنّ أئمتكم أن يصيروا جُباة ولا يكونوا رُعاة. فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء. ألا وإنَّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم، فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم ، ثم تعتنوا بالذمّة، فتعطوهم الذي لهم، وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدو الذي تنتابون، فاستفتحوا عليهم الوفاء)).
 
وكتب إلى أمراء الأجناد بالثغور: ((أمّا بعد، فإنّكم حُماة المسلمين وذادت‍هم. وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنّا، بل كان عن ملأ منّا، ولا يبلغنّي عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغيّرَ الله بكم ويستبدل بكم غيركم. فانظروا كيف تكونون، فإنّي أنظر فيما ألزمني الله النّظر فيه، والقيام عليه)).
 
وأرسل عثمان إلى العمّال والقوّاد وعمّال الخراج وعامّة المسلمين بالأمصار كتباً يحثّهم فيها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعطف على أهل الذمّة وجباية الخرج بالعدل والإنصاف ونصح عمّال الخراج فقال: ((أمّا بعد ، فإنّ الله خلقَ الخلْق بالحقّ، فلا يقبل إلاّ الحقّ. خذوا الحقَّ وأعطوا الحقَّ به. والأمانة الأمانة؛ قوموا عليها، ولا تكونوا أوّل مَن يسلبها، فتكونوا شركاءَ من بعدكم إلى ما اكتسبتم. والوفاء الوفاء؛ لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد ، فإنّ الله خصمٌ لمن ظلمهم)).
 
لمّا بويع عثمان للخلافة حذا حذو عمر بن الخطّاب، ومن سبقه، في حسن اختيار القضاة وتزويدهم بالنصائح. وكان يعتمد في قضائه على الكتاب والسنّة، ثم على قضاء من سبقه من الخلفاء الراشدين. وكان إذا لم يجد فيها جواب مسألته، رجع إلى استشارة الصحابة في الأمر عملاً بقوله تعالى:«وأمرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ«(سورة الشورى ، آية 38 )،وقد اشتهر عثمان بالفقه، وكان من رواة الحديث.
كان عثمان يعتمد كباقي الخلفاء الراشدين بأنّ الرأي الذي يفتي به، ليس بلازم للأمّة أنْ تأخذ به، فمن شاء أخذ به، ومن شاء تركه.
 
وقد أوردت الكتب الفقهية والتاريخية أمثلة وشواهد كثيرة عن عدالته، نذكر منها: إقامة الحدّ على والي الكوفة الوليد بن عقبة (أخوه لأمّه) لإقدامه على شرب الخمر، وعزله عن الولاية بسبب ذلك.
ومن الأمثلة على عدله نذكر:
عن أبي الفرات قال: كان لعثمان رضي الله عنه عبد، فقال له: إنّي كنت عركت أُذنك فاقتص منّي، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه: اشدد يا حبذا! قصاص في الدنيا، لا قصاص في الآخرة.
 
فإنّنا نلمس المساواة التامة في تطبيق العدالة بين الرعية، فهو يسوّي بين الناس في قضاء الحقوق وإقامة الحدود. فكانت سياسته رضي الله عنه تقوم على العدل،وإنّ الكتب الفقهية والتاريخية قد أوردت أمثلة وشواهد لا يستهان بِها عن عدالته.
 
د. سهى بعيون