من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

 
من فضائله في الجاهلية:
عُرف أبو بكر في حداثة سِنِّه وشبابه بالصدق، والأمانة، والجرأة على قول الحقّ.
وكان أبو بكر وديعاً ليّناً، يحبّ الناس ويحبّونه، ويقدّم لهم اللائق من المعاملة فيحترمونه، لذلك نعتوه بأجمل النّعوت، ووثقوا به، وأوكلوا إليه أمر الديّات مِمّا يشكّل مرتبة قضائيّة مرموقة.
قال النووي: وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشاورت‍هم، ومحبباً فيهم، ومألفاً لهم. فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، ولم يزل مترقّياً في معارفه متزايداً في محاسنه حتى توفي.
 
وقال العَسْكَرِيُّ: كانت تُساق إليه الأشناق في الجاهلية، وهي الديّات التي يتحمّلها ممن يتقرّب لذلك من العشيرة، فكان إذا حمل شيئاً من ذلك فسأل فيه قُريشاً مدحوه وأمضوا إليه حمالته؛ فإن احتملها غيره لم يصدقوه.
 
عن معروف بن خربوذ قال: إنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه، أحدُ عَشْرٍ من قريش اتصل بِهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الديَّات والغرم، وذلك أنّ قريشاً لم يكن لهم ملك ترجع الأمور كلها إليه، بل كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها، فكانت في بني هاشم السقاية، والرفادة. ومعنى ذلك أنه لا يأكل ولا يشرب أحد إلا من طعامهم وشرابِهم. وكانت في بني عبد الدار: الحجامة، واللواء، والنَّدْوة ـ أي: لا يدخل البيت أحد إلا بإذنِهم، وإذا عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار، وإذا اجتمعوا لأمر إبراماً أو نقضاً لا يكون اجتماعهم إلا بدار الندوة، ولا ينفذ إلا بِها ، وكانت لبني عبد الدار.
 
أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما قال أبو بكر شِعراً قط في الجاهلية ولا في الإسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم بسند جيد عنها، قالت: لقد حرَّم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية.
 
من الأحاديث الواردة في فضله:
 أخرج الترمذي والحاكم عن جابر بن عبد الله قال: «قال عمر لأبي بكرٍ: يا خيرَ الناسِ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فقال أبو بكرٍ : أما إنّكَ إنْ قلتَ ذاكَ فلقد سَمِعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ما طلَعَتِ الشمسُ على رجُلٍ خيرٍ من عُمرَ». (سنن الترمذي، أبواب المناقب، مناقب أبي بكر الصدّيق ، ج5 ، ص281 ، حديث رقم (3767) ـ الحاكم، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 90 )
 
وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخُدْريِّ قال: خطبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله سبحانه خَيَّرَ عبداً بين الدنيا وبين ما عِنَدهُ، فاختار ما عند الله». فبكى أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقلتُ في نفسي: ما يُبكي هذا الشيخَ، إنْ يكُنِ الله خيَّرَ عبداً بين الدنيا وبينَ ما عِندَهُ فاختارَ ما عند الله؟ فكان رسول صلى الله عليه وسلم هو العبدُ، وكان أبو بكرٍ أعْلَمنا. فقال: «يا أبا بكرٍ لا تَبكِ، إنَّ أمَّنَ الناسِ عليَّ في صُحبتِه ومالِه أبو بكرٍ، ولو كنتُ مُتَّخِذاً خليلاً من أمَّتي لاتَّخذتُ أبا بكر، ولكنْ أخُوَّةُ الإسلامِ ومودَّتُهُ. لا يبقيَنَّ في المسجدِ بابٌ إلاّ سُدَّ، إلاّ بابُ أبي بكرٍ». (صحيح البخاري، كتاب الصلاة ،باب الخوْخَة والمَمَرِّ في المسجد، ج1، ص149-150، حديث رقم (466) ـ صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي بكر الصدّيق، ج4، ص72 ، حديث رقم 2-(2382) )
 
أخرج الحاكم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تولوا أبا بكر تجدوه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تولوا عمر تجدوه قوياً أميناً لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، وإن تولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق». (الحاكم، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 70 )
 
وأخرج الحاكم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالاً يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى ابن مريم الحواريين»، قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر، قال:«إنّه لا غنى بي عنهما، إنّهما من الدين كالسمع والبصر». (الحاكم، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 74)
 
ومن كلام الصحابة والسلف الصالح في فضله:
عن جبير بن نفير أنّ نفراً قالوا لعمر بن الخطاب، رضوان الله عليه: والله ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول بالحقّ، ولا أشدّ على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عوف بن مالك: كذبتم والله لقد رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من هو؟ قال: أبو بكر رضوان الله عليه، قال عمر: صدق عوف وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضلّ من بعير أهلي.
  
عن عبد الله بن جعفر، رضي الله عنهما قال: وَلِينا أبو بكر فكان خير خليفة الله وأرحمه بنا وأحناه علينا. (الحاكم، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 79 )
 
وقال إبراهيم النخعي: كان أبو بكر يسمى ((الأوَّاه)) لرأفته.
 
وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير، فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانيه في الإسلام، وكان ثانيه في الغار، وكان ثانيه في العريش يوم بدر، وكان ثانيه في القبر، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم عليه أحداً. (الحاكم، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 63)
 
وإنّ أبي بكر رضي الله عنه أول خليفة فَرَض له رعيته العطاء. عن ميمون بن مهران قال: لما استُخلف أبو بكرٍ جَعلوا له ألفين، فقال: زيدوني، فإنّ لي عيالاً، وقد شغلْتموني عن التجارة، فزادوه خمس مائةٍ.
 
وهو أوّل من اتخذ بيت المال. فقد أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره أنّ أبا بكر كان له بيت مال بالسُّنْحِ ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قُفْلٌ، فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حَوَّله فجعله في داره، فقدم عليه مال، فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القَسْم، وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أُتيَ بِها من البادية ففرقها في أرامل المدينة، فلَما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء ودخل بِهم في بيت مال أبي بكر منهم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئاً ولا ديناراً ولا درهماً.
 
كان أبو بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة، ولقد كان موقفه عقيب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم دليلاً قويّاً على عبقريته، وعمق إيمانه بالله، وفهمه الكامل لناموس الحياة حتى ولو زاغت أبصار الآخرين، وأثّرت فيهم الخطوب والأحداث.
 
وكان أبو بكر وديعاً ليّناً، يحبّ الناس ويحبّونه، ويقدّم لهم اللائق من المعاملة فيحترمونه، لذلك نعتوه بأجمل النعوت، ووثقوا به. وإنّ خطبه، وأحكامه، وإجاباته تبيّن إلى حدّ بعيد مقدار عقله، ودقّته، ومدى رجحانه.
 
غير أنّ أبا بكر المجاهد، البالغ أقصى حدود الثبات على إيمانه، ودعوة رسوله ما كان يتوانى لحظة عن إعلان إرشاده الناس غير مبال بتقاليد قومه التي تحتّم أنْ يحترم المجتمع إجارة الجار، وأن يراعي المستجير ظروف مَنْ أجاره، فالحقّ فوق كل اعتبار.
د. سهى بعيون