محاسبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمّاله

كان عمر رضي الله عنه حريصاً كلّ الحرص على محاسبة عمّاله، والاقتصاص من الولاة، وردّ المظالم إلى أهلها، وكان يدعو عمّاله كلّ سنة في موسم الحجّ، ويستمع إلى شكاوى الناس من كلّ بلد على أميرهم، ويقتصّ منهم، ليمنع إساءة استعمال السلطة والنفوذ، وإذا حصل شيء من المظالم أثناء العام، ورفع إلى عمر في المدينة أو وصل إليه من الأقطار، استدعى العمّال الذين ترد عليهم الشكاوى، وأنصف المظلومين منهم، ومن أشهر الأمثلة التاريخية المأثورة المشهورة على ذلك قصّته مع القبطي الذي ضربه ابن عمرو في مصر، فاستدعاه مع والده، واقتصّ للقبطي، وكشف النقاب أنّ تلك المظلمة سببها وجود عمرو الأب في الولاية فوجه إليه اللوم والتعزير، وقال كلمته الخالدة: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتْهم أمّهاتُهم أحراراً))، وكان العمّال يخافون الافتضاح على رؤوس الأشهاد في موسم الحج، ويجتنبون ظلم الرعية، ويقيمون الحق والعدل بينهم. وقد خطب عمر في الناس كثيراً لبثّ هذه الروح في الرعيّة.

 

فقد جعل عمر موسم الحجّ موسماً عامّاً للمراجعة والمحاسبة واستطلاع الآراء في أقطار الدولة من أقصاها إلى أقصاها .  فهي (( جمعيّة عموميّة )) كأوفى ما تكون الجمعيّات العموميّة في عصر من العصور.

 

وكان عمر شديداً على ولاته؛ يخشى أن يُرهبوا الناس فيذلّوا نفوسَهم ويعلّموهم الجبن ويطبعوهم على الصغار؛ فكان يفتح صدره لأيّة شكاية في أحد عمّاله؛ فيعلن ذلك لعامّة المسلمين في خطبه. وكما كان عمر حريصاً على كرامة المسلمين وعزّة نفوسهم، يحميهم وينتصف لهم من عداوة الولاة والأرستقراطيين منهم، كذلك كان أحرص الناس على أموال المسلمين ومصالحهم. وكان دائماً يطمئن المسلمين من ناحية شدّته وأنّه ساهر على راحتهم وإعطاء حقوقهم.

 

قطع عمر رضي الله عنه في آخر خلافته شوطاً كبيراً للأمام، وأعلن عن خطّة تنظيمية إدارية حكيمة في ذلك، خشية أن تقصر عنه حاجات المظلومين، وتنقطع به المسافات.

 

د. سهى بعيون