من مواعظ امرأة

 
ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة أنّ نوحٌ الأسود قال: رأيتُ امرأة تأتي أبا عبد الله البَراثي فتجلس تسمع كلامه، ولا تكاد تتكلَّم ولا تسأل عن شيء، فقلتُ لها ذات يوم: لا أراكِ، يرحمك الله، تتكلَّمين ولا تسألين عن شيء؟
فقالتْ قليل الكلام خير من كثيره إلاَّ ما كان من ذكر الله، والمُنْصِت أفهم للموعظة، ولن ينصحك امرءٌ لا ينصح نفسه، وجُملة الأمر يا أخي: إن أردت الله بطاعة، أرادك الله برحمةٍ، وإن سلكْتَ سبيل المعرضين، فلا تلُم إلاّ نفسك إذا صِرْتَ غداً في زُمرة الخاسرين.
قال: ثم استبكَتْ فقامتْ. وسمعتها تعظ ابنها يوماً وتقول:
ويحك يابُني، احذَرِ بطالات الليل والنَّهار، فتنقضي مهالات الأعمار، وأنت غيرُ ناظرٍ لنفسك ولا مستعدّ لسفرك.
ويحك يا بُنيّ، ما من الجنَّةِ عِوَضٌ ولا في ركوب المعاصي ثمنٌ من حلول النهار.
ويحك يا بُنيّ، مهِّد لنفسك قبل أن يُحال بينك وبين ذلك، وجِدَّ قبل أن يجدَّ الأمر بك، واحذر سطوات الدهر وكيد الملعون عند هجوم الدنيا بالفتن وتقلُّبها بالعِبَر، فعند ذلك يهتمُّ التقيُّ كيف ينجو من مصائبها. ثمَّ قالت: بُؤْساً لك ـ يا بُنيّ ـ إن عصيت الله وقد عرفته وعرفت إحسانه، وأطعت إبليس وقد عرفته وعرفتَ طغيانه.
د. سهى بعيون